بيانك الأخير ضد الانتهازية الثقافية في أي سياق يأتي ؟
تأتي هذه الصرخة في سياق استيلاء بعض المحسوبين على المسرح وعلى وزارة الثقافة ، استيلائهم على المصير المسرحي والثقافي عموما ، وكانت في إطار إقامة فعاليات المهرجان العربي بالمغرب هذه السنة.
هل تعتقد أن الفن ” الجاد” يحارب بشكل أو بأخر ؟
الفن الجاد غادرنا منذ زمن ليس بالقليل ، وما تبقى منه اليوم في دولنا العربية ، التبست عليه الظروف المحيطة وتكالب عليه الانتهازيون والمتطفلون ، ليجهزوا على ما تبقى من أريج يعبق به بعض الفنانين المحسوبين في إكليل الثقافة العربية
في المغرب يطلق عليك لقب الفنان “المثقف” هل هناك بهذا المعنى فنان غير مثقف ؟
أنا لست مثقفا بالمعنى الأنطولوجي للكلمة ، أنا من الفنانين المغاربة الذين يحبون ويعشقون القراءة ، وتتبع شعابها وتشعباتها الفكرية ، وأحاول أن أنهل من كل ساقية ومن كل واد ومن كل بحر ، لأن لي قناعة أنني لن أكون فنانا بقيم إنسانية ، وبحس جاد إذا لم أقرأ ما يكتب عن كل المجالات ، وهذا ما أعيبه على العديد من أبناء جيلي
تهتم بالفن والسياسة والثقافة ..هذا تعدد قد ينعكس على طبيعة اختياراتك ، بمعنى تصبح أكثر صرامة في اختيار الأعمال الفينة التي يفترض ان تشارك فيها وذلك طبعا قد يجعل منك فنانا مقلا ؟
الفنان مواطن قبل كل شيء ، واهتمامي بالثقافة والسياسة هو من صميم انخراطي كمواطن وكفنان في قضايا الشعب الذي أنا منه ، بل أنخرط في كل القضايا من أجل أبنائي ليعيشوا في حرية وكرامة وعزة نفس ، والوطن محتاج لكل مكوناته طبعا كل بقدر عطائه من جهة تخصصه ، لكنه يحتاج للفنان أكثر من أي شخص آخر ، والفنان هنا ليس فقط من يشتغل بالفن ” مسرح ، موسيقى ، سينما ، تشكيل ، شعر ، رواية ، رقص ……” وغيرها بل من يتفنن في ذلك ، ويعمل على تطوير كل الفنون ، وينخرط فيها كالمتصوف في محراب الكلمة والصوت والشطحة الضاربة في عمك الجسد والروح
هل تعكس أعمالك (المسرح /السينما/التلفزيون) شخصيتك أو تقترب منها ؟
أعتقد أنني إنسان طبيعي ، يعترضه كل ما يعترض الناس في يومهم ، وجسدهم وروحهم ، ولكنني بمجرد أن أتقمص شخصية أخرى ، فأنا “ولو على الطريقة البريشتية ” أتحول إلى شيء آخر لا علاقة لها بشخصيتي ، فأنا مملوك حينها لصدق اللحظة التي ينتظرها مني الجمهور ، ولا أقدر على الكذب على الجمهور ، فهو الوحيد الذي أحترمه حد نكران ذاتي.
هل تعتقد بوجود سياسة ثقافية عند الحكومات العربية ..سياسة تستحضر السؤال الثقافي الآني ؟ أم أن الثقافة أمر ثانوي في اهتمامات هذه الحكومات (استحضر هنا ميزانية وزارة الثقافة الهزيلة دائما )؟
كانت هناك سياسات ثقافية في الماضي عند العرب ، وكان الصراع على أشده لكي تحقق كل دولة ما تصبوا إليه من علم ومعرفة وتحصيل وفنون وثقافة ، ومع الأسف بمجر التخلي عن الكتاب وضرب القراءة في وطننا ، هنا سقط كل شيء وتلاشى في ما وراء الحواسيب الذكية والغبية ، فالميزانيات لا تصنع مثقفا ، ولا فنانا جادا ، ولا مفكرا عبقريا ، ولكنها تساعدهم على المضي في بحثهم المضني عن المخارج من المآزق الفنية والثقافية والفكرية ، وهنا عندما نركن للميزانيات ، ونبكي على هزالتها ، فإننا نحاول أن نغطي شمس الثقافة بغربال الورقة البنكية ، وهذا ما يجعل الانتهازيين يقفزون إلى السطح ، كأسماك البحيرات التي تجري وراء الفتات ، فتضيع الثقافة والسياسة والمثقف في الدرجة الأولى
إلى وقت قريب كان المسرح أب الفنون ..هذه الصورة الاعتبارية لأب الفنون يبدو أنها لم تعد كذلك ؟
طامة مسرحنا هو أنه استسلم للابتذال ، وتنازل للتلفزيون من أجل شهرة بليدة ، وفرجة أبلد ، وهنا أحمل المسرح التجاري المصري كل هذا التدهور الذي وصل إليه مسرحنا ، أصبحت الحكومات العربية تجلب مسرحيات تحمل من تبليد المتفرج العربي ما تحمله ، فأصبح المسرح فرجة تلفزيونية مبتذلة ، ولم يعد ذلك البحث في التصورات الفكرية والفلسفية والجمالية ، التي تحترم المتلقي وتجعل منه فاعلا من وراء الفرجة وليس مستهلكا قابعا وراء كيس البوب كورن ، يضحك ببلاهة الأبله على رقصة ممثلة في مشهد فاجر ، وهذا لا يسري على بعض التجارب المسرحية الكبيرة التي تعدت طرح مشاكل
هل من تحول أيضا في طبيعة الجمهور وطبيعة اختياراته ؟
أكذوبة الجمهور عايز كده ، هي أكذوبة أنظمة على شعوبها ، لتوصلها إلى الإسفاف والعهر الفني ، الجمهور يجب التعامل معه بذكاء ، وبديموقراطية تحترم حريته في الاختيار ، وعلينا أن نشتغل من أجله وليس له ، علينا أن نكون مسؤولين أمام كل فرد من هذا الجمهور ، هل رأيت سياسيا يعلن الحرب على دولة أخرى ، مبررا ذلك بالشعب عاوز كدة ، فهذه حربنا على التخلف الفكري الذي أنتج لنا كل هذه الدماء التي تسيل في عالمنا بدعوى نحن من نريد ذلك
هل يمكن الآن بالنظر لعدد الأفلام التي ننتجها سنويا الحديث عن سينما مغربية بمقومات مغربية ؟
يمكننا أن نتحدث على نهضة فيلمية في المغرب ، ولكننا لا يمكن أن نتحدث على سينما مغربية ، السينما فن إنساني استوردته الشعوب للتعبير عن صورتها ، في صيغة أفلام درامية ووثائقية ، ولا يمكنها أن تكون بهوية معينة ، لذلك أفلامنا نحاول من خلالها تقريب صورتنا للعالم ، على قدر اجتهاداتنا
ما أساس نجاح الفيلم السينمائي في نظرك…(القصة /السيناريو/الأداء /الإخراج )؟
أساس نجاح الفيلم هو كل هذه الأشياء، زائد المهنية والجدية والذكاء، وغير ذلك مجرد هراء
ما جديدك ؟
أستعد للتدريب على مسرحية ” العذراء والموت ” للمخرجة أسماء هوري ، والتدريب على كوميديا موسيقية ، للفنان خالد اتبيه بصيغة عالمية ، حيث سيشارك فيها ممثلون من عدة دول عربية مغاربية وأوروبية ، في شهر مارس المقبل ، كما أستعد في بداية شهر فبراير لتصوير مشاهدي في فيلم ” عاشوراء ” للشاب طلال السلهامي ، الذي سبق واشتغلت معه في فيلم ” سراب ”