“وجدة ياهوى العشاق” أغنية شهيرة رددها المغاربة حب في العاصمة الشرقية للمملكة ، وبهذا الاسم عرفت أيضا هذه المدينة الواقعة على الحدود مع الجزائر والتي تسابق المغاربة دوما لقضاء عطلهم بها افتتانا بسحرها وبأناقتها وبساحاتها الواسعة وتناسق اضوائها وزقاقها الضيقة ودروبها الملتوية التي تميزها عن باقي المدن المغربية القديمة.
وجدة يا هوى العشاق * سجدة للفرح سجدة
عادت للربيع اوراق * فاض الوجد من وجدة
عادت لمة الفرسان * عادت خيمة الفرسان
بهذه الازجال خلد الشاعر الشعبي الراحل سليمان الترهوني هذه المدينة الجميلة التي تسمى أيضا بعاصمة الشرق لتواجدها بشرق المملكة على بعد مسافة قصيرة من الجارة الجزائر، وهي الجيرة التي انعكست بشكل كبير على الكثير من مظاهر التعايش بين الشعبين المغربي والجزائري حيث تعددت الزيجات فيما بينهما واختلطت اللهجات بين المغربية والجزائرية حد أن يصعب على المرء التفريق بين ساكنة هذه الجهة والجهة الاخرى هذه الميزة تنضاف اليها ميزات أخرى أعطت لهذه المدينة فرادتها وجعلتها ضمن مصاف المدن التي يقبل عليها المغاربة بشغف ولهفة خاصة في أجواء الصيف حيث الهواء النقي والعليل وحيث الاضواء المتناسقة في ليل وجدة الذي لا يشبه باقي الليالي .
الساحات الانيقة
كثرة الساحات وسط المدينة هي أكثر ما يلفت الانتباه عند زيارة مدينة وجدة فساحات وجدة الكثيرة تتميز بأناقتها واتساعها وجمالية هندستها وبالأخص بعض الساحات التي تحولت لمحج يقبل عليه الناس بكثرة ليلا ونهارا ومن ذلك مثلا ساحة 16 غشت وسط شارع محمد الخامس وساحة المغرب العربي أحد أكبر الساحات بنافورتها العظيمة التي تتوسطها المحلات التجارية المتنوعة التي تتوزع على زواياها في قالب دائري يضفي طابعا متميزا على المدينة وبما يتناغم مع الشكل العام لخصائص البناء التقليدي الذي يتميز بقلة البنايات الشاهقة والأزقة الضيقة والدروب الملتوية التي يمكن أن يتيه داخلها المرء حتى وان تعلق الامر بأحد ابناء المدينة العارفين بمشاربها فالدروب متشعبة ومتشابكة ومتداخلة فيما بينها وهي بذلك تخلص لخصائص البناء التقليدي الذي يميز العديد من المدن العتيقة في المملكة .
أبواب الخشب والطين
من بين أهم معالم المدينة توجد هناك القصبة العتيقة بأبوابها الساحرة بالخشب والطين ولهذه القصبة قصة جميلة فقد اضطرت السلطات لإغلاقها خوفا عليها بفعل تزايد عدد زوارها حد أن ضاق المكان بالجموع التي تتوافد يوميا على المكان رغم خضوعه للترميم مرات عديدة خاصة الابواب التي تأخذ نمطا خاصا فالأبواب الخشبية تزين بأقواس ، والأبواب الطينية تنقش عليها رسوم لحيوانات أليفة وعيون أدمية في تماس مع بناء القصبات وهي أبواب متعددة يؤدي بعضها الى الاخر ، فالباب الجنوبي يؤدي الى الشارع ومن الجهة الشرقية يؤدي الى القيسارية ” السوق الشعبي” حيث الدكاكين التي تتنوع بضاعتها من المجوهرات الى الثياب الجلدية مرورا بدكاكين التوابل والفواكه الجافة والمستحضرات التقليدية لتجميل النساء ..وكلها عناصر وبنايات تزيد من جمالية المكان وسحره الفتان .
المآثر السياحية
وجدة الساحرة ليلا والفاتنة نهارا لم تعدم أيضا وجود مآثر سياحية شهيرة مثل الباب الغربي الباب الاثري الذي يطل على ساحة سرت هذه الساحة التي سميت باسم المدينة الليبية سرت بعد أن كانت تمت توأمتها مع مدينة وجدة ابان عهد الحسن الثاني والعقيد القذافي ، وباب سيدي عبد الوهاب الباب الأثري الذي يطل على الساحة الواسعة وسط المدينة في أحد أهم المواقع بالمدينة الى جانب المعلمة الاثرية دار السبتي التي حافظت على رونقها وحضورها رغم سنوات الاهمال التي تعرضت لها هذه المعلمة التي يحج اليها السياح من كل حدب وصوب وتحولت الى ملاذ للمثقفين والفنانين لإحياء امسيات أدبية وفنية باذخة زادها تألقا سحر المكان .
عاصمة الطرب الغرناطي
لا يتم ذكر مدينة وجدة دون ذكر الطرب الغرناطي هذا الموروث الموسيقي الاندلسي الذي امتزج بالمدينة وحمل خصوصياتها التي تجسدت في الاسلوب الخاص والمتميز لموسيقى غرناطة الوجدية مثلها في ذلك مثل الطابع الخاص الذي طبع أيضا هذا اللون الموسيقي الاندلسي ببعض المدن المغربية العريقة كفاس وسلا والرباط وتطوان .
ولع أهل وجدة بالطرب الغرناطي منذ القدم ساهم في استمرار وهج هذا اللون الموسيقي حيث توارثته العائلات الوجدية العريقة التي عملت على تكوين المجموعات والأجواق هذه الاخيرة عمت تقريبا كل أحياء المدينة وشجعت على تأسيس جمعيات الطرب الغرناطي التي تنظم الآن أحد أشهر المهرجانات السنوية التي تعنى بالطرب الغرناطي والتي تعد المناسبة الفنية الحافلة التي سمحت لمدينة وجدة بلعب دورها المركزي المتمثل في كونها أحد معاقل الموسيقى الاندلسية الغرناطية الباقية الى جوار مدن مغاربية أخرى كمدينة تلمسان في الجزائر التي احتضنت بدورها هذا الاسلوب المتميز من الموسيقى الغرناطية وسعت لصونه وإعلاء شأنه رغم أن مدينة وجدة كان لها النصيب الاوفر حيث ورثت الرصيد الاكبر من هذا التراث الموسيقي بالنظر للمشترك التاريخي مع الاندلس وبالنظر لكونها كانت المدنية المغاربية الاولى التي استقبلت الهجرات الاندلسية .
مدينة المساجد
بعد مدينة أسطنبول التركية تأتي مدينة وجدة المغربية في المرتبة الثانية عالميا من حيث عدد المساجد التي توجد بالمدينة ، فحسب الاحصائيات الرسمية التي أعلنتها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية فان عدد المساجد قدر ب 395 مسجدا من بينها أكثر من 270 مسجدا توجد داخل المدينة وبمداراتها فيما توجد المساجد الاخرى في أحواز المدينة وهي بذلك تعتبر المدينة الاولى من حيث عدد المساجد في افريقيا دون ذكر المساجد التي يتم بناءها في السنتين الاخيرتين والتي ينتظر أن يتم فتح في وجه المصلين في الشهور القليلة المقبلة.
هذا النزوع نحو بناء المساجد يعود لسنوات طويلة خلت ويعكس بوضوح طبيعة ساكنة مدينة وجدة والجهة الشرقية للمملكة ككل والتي تميل طبائعهم للتدين وهي طبائع انعكست أيضا على طبيعة المعمار في المدينة التي تعرف أيضا أقدم مساجد المملكة ونقصد هنا المسجد الاعظم أو الجامع الكبير الذي يعود بناءه الى القرن 13 الميلادي حين كانت المدينة تعرف انتعاشا كبيرا في الانجاز والمعمار الذي تمثل أساسا في المساجد والمدارس القرآنية والحمامات وفيما يعكس بجلاء سياسية أصحاب القرار في ذلك العصر .