الجمعة , 26 أبريل 2024
الرئيسية » دراسات نقدية » نقاد: هاجس الهوية والالتزام بقضايا المجتمع عصب الرؤية السينمائية لنبيل عيوش

نقاد: هاجس الهوية والالتزام بقضايا المجتمع عصب الرؤية السينمائية لنبيل عيوش

تقاطعت مداخلات نخبة من نقاد السينما في المغرب عند التأكيد على مركزية حضور هاجس الهوية في مدلولها الفردي والجماعي في أعمال المخرج نبيل عيوش من جهة، والاشتغال القوي بتسليط ضوء الكاميرا على اختلالات واقع اجتماعي يؤمن هذا الفنان بقدرة السينما على التأثير فيه، من جهة أخرى.

ورصدت مداخلات المشاركين في هذا اللقاء، الذي نظمته الجمعية المغربية “نقاد السينما” يومي 10 و11 أكتوبر بطنجة بعنوان “نبيل عيوش.. البحث عن تعبير”، امتدادا في أفلام نبيل عيوش للهم الذي يحمله شخصيا كذات “ممزقة” بين ثقافتين عربية وغربية، مسلمة ويهودية وعلمانية.

كما سجلت انخراطا قويا لمخرج “يا خيل الله” في مساءلة اختلالات مجتمع “يسير بسرعات متعددة” وإنتاج أفلام تتجاوز البعد الفني الجمالي لتطلق رسائل للتحرك من أجل تجاوز الأعطاب وصنع التغيير الإيجابي على مستوى الذهنيات والممارسات الاجتماعية والعامة.

واعتبر الناقد عادل السمار أن أسئلة الذات والهوية من أهم التيمات التي تخترق سينما نبيل عيوش، وأفضل خيط ناظم لمقاربة فيلموغرافيا عيوش، التي وإن كانت تتنوع من حيث النوع والموضوع والأماكن والخلفيات الثقافية والسياسية، الا أن ذلك لا يحجب مركزية سؤال الهوية وقلق المسار الخاص نحو تحقيق الذات.

ويبدو هذا الهاجس جليا، حسب السمار، في الاشتغال بقوة على الطفولة، من منطلق أن منسوب تلبية حاجات هذه المرحلة تحدد علاقة الطفل مع العالم ومدى تحقق عامل الثقة بينه وبين المحيط الاجتماعي.

وربط الناقد بين شخصيات الأطفال في فيلم “علي زاوا” وشباب سيدي مؤمن الذي أقدم على تنفيذ العمليات الإرهابية في فيلم “يا خيل الله”. هو الحرمان كمؤسس للوعي، الذي يعذبه في الفيلمين التفكك العائلي وغياب الأب والعنف والإقصاء.

ومن جهته، سلط الجامعي، رشدي المانيرة، الضوء على شواهد الالتزام في أفلام عيوش المطبوعة بالواقعية الاجتماعية والالتزام السياسي، على غرار قضايا أطفال الشارع في “علي زاوا”، مأساة اللاجئ الفلسطيني في “ارضي”، التطرف في “يا خيل الله”، الحوار بين الشرق والغرب في “كل ما تريده لولا”.

وهو يخوض اختياراته الموضوعاتية، يقول المانيرة إن نبيل لا ينسى أن “يلعب” بالسينما مجربا مختلف الأنواع من الدراما الاجتماعية، الفيلم الموسيقي، البوليسي، الوثائقي.

إنها تجربة تطرح وضع السينمائي، الفنان والمثقف، في مجتمع يعيش انتقالات حاسمة وصعبة على أصعدة مختلفة، ذلك أن فيلم نبيل عيوش يشكل في نظر الباحث فيلما- وثيقة، وان كان لا يكتفي بتصور الواقع بل يؤوله. فالواقعية لا تنفي حضور الجماليات الفنية والسردية في أعمال عيوش.

وعلى صعيد آخر، تناول الناقد محمد شويكة الأفلام القصيرة الثلاثة لنبيل عيوش معتبرا إياها الأرضية الخصبة لتيمة الهوية في أفلامه الطويلة. ولاحظ شويكة في هذا الباب أن ما يوحد أفلامه القصيرة فضاءات مغلقة وهامشية وزمن متوقف وشخوص تعيش بشكل قدري. ذلك ما تعبر عنه “البحث عن الحجر الأزرق”، “ارتباط هيرتزي” و”بائع الصمت”.

وأبعد من سؤال الهوية كتيمة متوطنة الحضور في فيلموغرافيا المخرج، سجل شويكة أن هذه الأفلام رسخت أيضا مقومات الأسلوب الإخراجي لعيوش، الذي بدا أنه “أسلوب إخراجي قلق وغير نمطي”، يحاكي المسعى الشخصي لهذا السينمائي في التعبير عن هويته.

ورأى الناقد عبد اللطيف محفوظ في سينما عيوش عوالم فسيحة تسائل فعلا تأويليا مركبا. ومن خلال تناوله لأفلام “علي زاوا”، “يا خيل الله” و”أرضي”، لاحظ المتدخل انجذابا الى ما بعد الحداثة حيث الاعتراف بقوة الأسطورة والغيبيات والحكايات الشعبية في انتاج المعرفة بثقافة محددة، واعادة توظيف هذه المعرفة باعتبارها جزءا من الحقيقة.

وعرض الجامعي والناقد مولاي ادريس الجعيدي لصراع الذاكرتين على جانبي الأرض المحتلة والمخيمات الفلسطينية جنوب لبنان في فيلم” أرضي”، الوثائقي الذي انتقل من خلاله نبيل عيوش بين الضفتين في محاولة لتشكيل روايتين للتاريخ من زاوية الفلسطينيين المهجرين مقابل شهادات شباب إسرائيليين ترعرعوا في زمن الاحتلال وكثير منهم لا يعرف حقيقة أن وجودهم قام على أنقاض وجود سابق لشعب اغتصبت أرضه.

ومن جانبه، توقف الناقد عز الدين الوافي عند خصوصية فيلم “الى أرضي” الذي ولد من إعادة بناء الشهادات التي استقاها عيوش أثناء إنجاز ” أرضي”. وأبرز أن اختيار طرح هذا الفيلم إلكترونيا، على الأنترنيت يجعله نصا يتطور في صيغة مشاطرة ونقاش مفتوح بين المشاهدين عبر العالم، من خلال تفاعلهم الشخصي المباشر مع المادة المسجلة على الحاسوب الشخصي.

وجدير بالملاحظة أن نبيل عيوش اعتبر فيلم “أرضي” العمل الأكثر ذاتية في فيلموغرافيته، بالنظر الى أن فكرته ترجع الى التمزق الذي عاشه كشاب يحمل في وعيه ونشأته العنصرين المسلم (من جهة الأب) واليهودي (من جهة الأم) معا، مما حفزه على البحث في ذاكرة الصراع العربي الاسرائيلي.

وفي تعقيبه، على مداخلات الجلستين العلميتين للقاء “نقاد سينمائيون”، العاشر من نوعه في تاريخ الجمعية المغربية لنقاد السينما، واللتين أدارهما الناقدان حمادي كيروم وخليل الدمون، أكد نبيل عيوش على وظيفة السينما في تحريك الوعي بالاختلالات التي تعبر المجتمع، معترفا بفضل الفن السابع في انفتاحه على هوامش وأعماق المغرب واحتكاكه بواقع غني وساخن، يتيح مادة خصبة للسينما.

وبدا عيوش حانقا على “البرود” الذي يطبع موقف جانب من النخبة المثقفة والفنية في الاشتباك مع قضايا المجتمع وأوجاعه، معربا عن تصميمه على المضي في مسار جعل السينما نافذة على الواقع الحي، بدل تعويم الساحة العمومية في نقاشات متعالية أو مزيفة.

 

شاهد أيضاً

مونودراما مغربية احتفاء باليوم العالمي للمسرح..

عبد السلام انويكًة دوما كانت تازة منذ حوالي نصف قرن، فضاء فنون أدائية حية كما …