(مصطفى بوبكراوي)
تونس 28 نونبر 2024 (ومع) لن تعثر على اسمها مكتوبا في برمجة الدورة ال25 لأيام قرطاج المسرحية التي تستمر حتى الثلاثين من نونبر الجاري ،كما لن تعثر عليه بالتأكيد في الملف الصحافي الذي وزعه المنظمون على المهنيين قبيل انطلاق إحدى أعرق تظاهرات أبي الفنون في العالم العربي ، غير أن ذكرى الفنانة المغربية الراحلة ثريا جبران تفاجئك بحضور غير متوقع وفي مكان غير متوقع، تماما كما كانت الفنانة تفاجئ جمهورها بدور يبدو للوهلة الأولى على غير مقاسها قبل أن “ترتديه” دون معاناة بعد إعمال مقص الإبداع في الأداء والتقمص.
في بهو مدينة الثقافة الشاذلي القليبي ، البناية الضخمة التي تنتصب على ناصية شارع محمد الخامس وسط العاصمة التونسية ، ينظم ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية معرضان يؤرخان لمسيرة اثنين من رواد المسرح التونسي، الأول علي بن عياد الذي رحل قبل أكثر من خمسين سنة بعد أن حفر اسمه في ذاكرة وسجل الخشبة في تونس ، والثاني لرائد ما زالت أحدث مسرحياته تعرض في مسارح تونس، هو حمادي المزي.
فعلى يمين مدخل مدينة الثقافة التي تعد القلب النابض للتظاهرة المسرحية ، أقيم معرض يلخص “دروب الإبداع” التي عبر منها حمادي المزي ، الممثل والمخرج والكاتب ، الذي كان من مؤسسي المسرح الوطني التونسي.
ضم معرض “دروب الإبداع” ملصقات وصور وقصاصات صحف وخطاطات الإعداد لكل عمل مسرحي أبدعه حمادي المزي ( زوايا الإضاءة، حركة الممثلين، الديكورر) ابتداء بمسرحية ” الناعورة” سنة 1989 ووصولا إلى “قطيع” التي مازالت تعرض .
في المحطة الثالثة من هذا المسار، تبرز مسرحية “دع عنك لومي” التي أنتجتها دار السندباد سنة 1991. وعندما يقف الزائر أمام المساحة المخصصة لتوثيق العمل المستلهم من أشعار لأبي نواس ، يكون الملصق ذو الألوان الفاقعة أول ما يستقطب نظره، ثم قصاصات من صحف تحدثت عن المسرحية، قبل أن تقع عيناه على صورة هي الوحيدة في المعرض التي التقطت خارج الخشبة وأجوائها ، صورة أنهكتها السنين كتب تحتها “فريق المسرحية في ضيافة الممثلة الكبيرة ثريا جبران وعبد الواحد العوزري” (عبد الواحد عوزي المخرج والمؤلف المسرحي).
يتذكر حمادي المزي أن الصورة التقطت في بيت الفنانة المغربية الراحلة بمناسبة عرض العمل المسرحي التونسي على هامش حدث ثقافي احتضنته المملكة. كيف وجدت هذه الصورة مكانا وسط ملصقات وصور عن مسرحيات وممثلين قاسموا حمادي المزي أعمالا هي غلته الفنية حتى الآن ؟ ببساطة، وكما قال المزي نفسه في تصريح مقتضب لوكالة المغرب العربي للأنباء طغى عليه كثير من التأثر ، لأنها تجسد “إحدى لحظات هذا المسار الطويل “، قالها وهو يشير إلى تسلسل 22 مسرحية على مدى أزيد من 35 سنة.
أضاف حمادي المزي ” عرضنا المسرحية في المغرب وكان عرضا جيدا أمام جمهور رائع ، التقينا الصديقة والأخت ثريا جبران و عبد الواحد عوزي، دردشنا وحكينا فدعينا إلى بيتهما” حيث التقطت هذه الصورة. تابع وهو ينظر إلى الصورة ” الكرم عند هذه المرأة.. ( توقف قليلا ) أحضرت أجمل ما لديها في البيت.. روح النكتة وحكاياتها التي لا تنتهي ومغامراتها ونضالاتها المسرحية ..اللقاء مع جبران وعوزي من أجمل ذكرياتي في هذا المسار الذي تشاهده ..أنا عضو مؤسس لأيام قرطاج المسرحية مع المرحوم المنصف السويسي”.
انتقاء هذه الصورة من أرشيف ثري لتكون جزء من “دروب إبداع” أحد أبرز الأسماء المسرحية في تونس، وربما الأكثر انتظاما في الكتابة والاخراج منذ حوالي أربعة عقود ،( هذا الحضور)، دليل على أن ثريا جبران الإنسانة والفنانة حفرت اسمها في ذاكرة المسرحي التونسي الذي ختم حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء بكلمة واحدة أو اثنتين تعبران عن تأثر بالغ ” ثريا ..إيييه”.
سيتوقف شباب كثر ، وهم يمثلون الفئة الأكثر ترددا على مدينة الثقافة التي تجمع صنوفا من الإبداع والفن والثقافة في فضاء واحد، لاكتشاف “دروب إبداع ” اسم مسرحي يعرفونه بالتأكيد هو حمادي المزي، دروب سيتعرفون فيها أيضا على أسماء فنانين قاسموه رحلته الفنية وإلى جانبهم فنانة وصفها ب”الكبيرة” ظلت ذكراها حاضرة في أكثر من درب من دروب الابداع المسرحي المغربي والعربي.