عبد السلام انويكًة
هاجس حفظ مسار وهوية وايقاع شاهدٍ ومشهدٍ حتى لا يطويه جدل زمن وما قد يحصل من طمس ونسيان وشرخ، هو ما ترومه سِيَر ذَّاتٍ عموما وسِيرفنانين مسرحيين سينمائيين خاصة ليست سوى صرخة سفر وبوح وتأمل ونداء. ولعل بقدر ماسِيَرالذات تأسيس لأفق مابقدر ما هينبش عبرما يتم عرضهحول تجاربحياة.وغير خاف عن مهتمينكونالسِيَر فضاء رحلات وجود وقراءات على وقع مجهر،ومن ثمة نصوص بدرجة أهميةصوب ما ينبغي من تلاقح طبائع مساراتورؤى،يسجل أنها لا تزال بخجل تعبيراً وإلتفاتا وإنصاتا. ذلك أنه بقدر ما تحكم أحوال وسياقات هذه السِّير على تباين نهجها، بقدر ما من شأن كائنها أن يكون بدور رافع بين ما هو ميكرو وماكرو في علاقة بين سلف وخلف. ما قد يحصل معه من فهم أهَم لتحولاتجمع ومجتمع وايقاع سيرورةدهنيات وعقليات وظواهر انسانية،عبرتقاطع مؤشرزمن فرد مع مؤشر زمن محيط. ولا شك أنذاكرة أعلام الفن من مسرحين وسينمائيين، مداخل هامة لإغناء أثاث علاقة مسرح بسينما، فقد استفادتواستعانت هذه الأخيرة في نشأتها بتجارب ممثلين مسرحيين كبار كما يذكر”ادغارموران”السسيولوجي الفرنسي،الذي أطر يوما افتتاح مهرجان طنجة الوطني للسينما المغربية، وترأس لجنة تحكيم دورة 2012 فكان بما كان عليه من إثارة وردود فعل ونظر وجدل.
اشارات ارتأيناأنها ذات أهمية،من اجل ورقة بمختصر اشارات فقط حولقيمةسِيَراعلام ثقافة عموما وذاكرة فن وابداع ومبدعين هنا وهناك ومنهم مسرحيين وسينمائيين،تجاهما ينبغي من تلاقح نهج ووعي وتجارب فضلا عن السؤال عما ينبغي أن يطبع نقاش وانشغال هؤلاء على تباين مساراتهموقناعاتهم، كذا ما ينبغيأن يشغل بال نقاد ومخرجين وممثلين ومصورين وتقنيينومهتمين،في شأنقضايا المجال الكبرى من قبيل واقعية تيماتٍودرجة طرح وطروحاتوطبيعة كتابة ونصوص وتخصصات ونجاعة وفرجة وتشارك وتجويد، ومن ثمة قيمة انتاج وفعل وتفاعل ومقاماتملتقيات. ناهيك عن سؤال بداياتٍوحالٍوانتظارات ومجازفاتواثاراتوردود.دون قفز طبعا عن سؤال وعاءخزانة فنية حولسِير مسرحيين وسينمائيينمغاربة،يسجل أنهرغم ما هو عليه مناضافاتتخص المجال،هناك بياضاتلا تزال بحاجة لمزيد من بادرة وشجاعة أدبية في أفق جمع شتات إرث جمعي رمزي وايقاع تجارب فاعلين، من شأنهاابرازوفرز خطوط تحرير وطبيعة مسارات ومن ثمة ما ينبغي من تنوير وحفز على أساس ماض واسهامات أعلام ماض.
والى حين ما ينبغي من أفق وسير ذاتٍمغربية أوسع مع إقبال معبرعلى قراءة تجارب فاعلين سينمائيين مغاربة هنا وهناك، وفق ما ينبغي من وعي وتوثيق وجسور وصْل بين وقع ماض مسرحي وسينمائي مغربي وطبيعة حاضرورهان مستقبل. الى حين هذا وذاكارتأت تازةمن خلال علامة رصينة عن فعلها الجمعوي”نادي المسرح والسينما”، ذلك الذي ارتبط اسمهمنذ سنوات بتقليد سينمائي وطني سنوي موسوم ب: “سينما الهواء الطلق”.ارتأت تازة المثقف والثقافة والمسرح والسينما احتفاء ربيعياتثمينا وحضناوانصاتالسيرة ذاتٍابداعية سينمائية متميزة، موسومة ب”بالأبيض والأسود”لمؤلفها الفنان الممثل القدير نور الدين بنكيران.احتفاء وحفل جاء إعلانا من نادي المسرح والسينما بتازة عن افتتاح موسمهالثقافي لهذه السنةإعداداًمنه واستعداداًللاحتفاء بذاته وكيانه وأحلامه كذا بمرور عقدٍ من زمن فعله وتفاعله وعطاءه وتميزاشعاعه.
ولعل ضيف احتفاء تازة هذاليس بغريب وَقْع، فهو نص شامخ يجمع صفحات نصف قرن من جذب وتجاذبفي شعاب الدراما المغربية، وهو نص شامخ أيضا يعكس زمنومسار مبدعٍممثل مقتدر زاوج بين أب فنون وفن سابع منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ولا يزال، ما جعله بهيبة تجربة وطبع تعبير وأداء ومن ثمة هوية. ذلك أنه عايش كل الطيف ودروب المجال هنا وهناك،وعليه ما طبعه من تأثروتأثير وأخذ وعطاء ونماء وعي وقدرة وكفاية تمرس،فضلاعن حس دراميجمع بين فعل وممارسة لعقود من الزمن وبين تأليف مسـرحي واخراج وكتابةِ قصة وسناريووبادرة أدبية مؤثثة.كل هذا وذاك ضمن تشارك وتدافع معاً هنا وهناك، لا شك أنهما سُبلاًكانا بأثر في تجربة وخبرة ومن ثمة ما هو عليه من رمزية ومهنية وصنعة.
هكذا بنفَسِنشأة وتنشئة قل نظيرها هو مسار الفنان نور الدين بنكيران، وهكذا بإرادة ذاتٍوروح قل نظيرها أبانهذا الأخير عنقوة شخصية فنية بلغت ما بلغت من تميزوهيبة وتفرد وبصمة في حقلمسرح وسينمامعاً محليا وطنيا وعربيا.وهكذا بقيم أدبٍ درامي ابداعي قل نظيره كانتتجربة الرجل قدوة جيلٍ بل مرجعا بقدر هام من الأثر والفضل لفائدة ناشئة درب، وهكذا ايضا ما طبع مساره من عقيدة انتماء وعمل وحلم وورش،كذامن اخلاص أولا لأثاث مسقط رأس ظل دوما عنوان تعبيرهوحنينهاينما حل وارتحل، وثانيا لصورة ماض ورفقة وفسيفساء تنشئة فضلاً عن صدق خيار وقناعة ابداع من اجل ابداع لا غير.
في”بالأبيض والأسود” عنوان سيرة فنان صدرت مؤخرا عن دار النشر”سوماكرام”بالدار البيضاء في طبعة أولى، في”بالأبيض والأسود”هذا النص الذاتي الذي جاء بحوالي ثلاثمائة صفحة، كان بوح استُهلبقولحول جدل متاهات وكائن ايام ودوران زمن، معرجا عما يطبع مفهوم زمنمن ذكاء يجعله الأقوى والآخر الأضعف، فضلا عما أثار قول الرجل في مستهل جذبة سيرته الذاتية من تهافت وتخبط وخيال واستقواء لا يغدو مجرد وهم، ارتآه هيهات فحسب وليس الا هيهات بين أمس ويوم مآلها أصل لا غير. صرخات وخرجات وخطوات وبيوتات وبدايات وحال وأحوال ورحلات وفصول ومساحة حنين وغربة، كذا تيه وزقاقاتوجرح وخيبات ضن ومضْيِ زمن ولون ورقص على شوك، كل هذا وذاك مشاهد ذكرى هائمٍهيسيرة ذات فنان مسرحي سينمائي مغربي تازي شامخ، سيرة بنبض هوية ارتآى الهائم لسفريتها وعودها ودليل مقامها لغز غربةٍوشوق رحمة. هكذا تبسط سيرة ذاتِالفنان نور الدين بنكيران، لذاكرة ولتشعب تجربة ولشجون وتماسات وبدايات ومسافات على امتداد نصف قرن من الزمن ، وفي بسطه يحضر القمر وتحضر قصة خيوط دخان وموج بحر ومولد حلم ونشأة وفعل ومنعطفات وشدو ونَزْل فصول.
ولعل الفنان نور الدين بنكيران الذي ارتأى نادي المسرح والسينما بتازة، إلا أن يؤثث له احتفاء يليق بمقامه الفني وعظمة مساره، تثمينا منه واعتبارالمقام مبدع فنان أنيق شامخ وحضنا منه أيضا لإسم من أسماء دراما المغرب، يستحق ما ينبغيمن إلتفات وانصات ووقفة تأمل. ولعل نور الدين بنكيران مَعْلمَة وعلامة فنية في سماء مسرح وسينما المغرب،بل واحدا من أعلام هاذين المجالين التي تبلورت على ايقاع نصف قرن من التفاعل.إسم فسيفسائي وفنان بكل ما في القصة وللكلمة من معنى، لِما يتملكهمن طاقة فعلٍ درامي وارادة وعزيمة قل نظيرها وقد ظهرت جلية فيما أسندت له من مهمات وأدوار ضمن أعمال تلفزيونية وسينمائية عدة مغربية وعربية رفيعة، لعلها وغيرها سُبلاوتدافعات شكلت مجتمعة روافد مدرسة فنية حقيقية قائمة، جعلته بما هو عليه من تجربة وخبرة وموقع فني وكاريزما مشهود له بها.
يذكر أن آخر أعمال هذا الممثل والمخرج والكاتب والفنان السينمائية، عنوان موسوم ب”الهايم”،وهو عمل درامي كان مخرجه ومؤلف نصه الذيجمع بين جدل نسيان وانسانية انسان. عمل درامي رفيع توزعتمشاهده على مواقع أطلس تازة حيث ما هو أدغال وعلو وجبل وثلج وشلال وأودية، ناهيك عن عمران بيئة محيط أصيل كما قصبة امسون. “الهايم” الذي كان بأثاث طاقات سينمائية ادهشت ما ادهشت في عرض افتتاحي أول لهذات يوم في احدى دورات مهرجان سينما الهواء الطلق الأخيرة بتازة، ذلك التقليد الذي ينظمه نادي المسرح والسينما ودأب عليه جمهور المدينة ربيع كل سنةمنذ عدة سنوات. دورة مهرجان وعرض أول افتتاحي لشريط “الهايم”، كانت قد حضرته وأشادت به أسماء سينمائية مغربية رفيعة من قبيل فاطمة بوبكًدي مخرجة سلسلة”رمانة وبرطال”،المبدعة المغربية التي نجحت في جعل تراث البلاد الرمزي بمساحة وقوة فرجة غير مسبوقة في تاريخ دراما المغرب وبلاد المغارب والعالم العربي، ناهيك عن نقاد سينمائيين ممن يُشهد لهم بتكوينهم ورصانتهم وتملكهم وتتبعهم للمجال.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث