في شارع الجميزة في بيروت، لم يوف ر انفجار المرفأ الضخم أي مبنى لا سيما تلك المميزة بهندستها التراثية، بينها منزل مصمم الأزياء اللبناني العالمي إيلي صعب.
وأحدث انفجار بيروت في الرابع من آب/أغسطس دمارا هائلا في المدينة وأباد مرفأها، لكنه أتى أيضا على تاريخ عريق ترويه أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة وقناطرها العالية التي استحالت واجهات تخترقها فجوات ضخمة.
لم يبق شيئا على حاله في منزل إيلي صعب، أحد أشهر المصممين اللبنانيين الذي ارتدت نجمات عالميات من أزيائه من أمثال هالي بيري وهيلين ميرين وأفراد من العائلات المالكة منهن كايت ميدلتون زوجة الأمير وليام وولية عهد السويد الأميرة فيكتوريا.
في أول زيارة له إلى المنزل بعد أسبوعين من وقوع الانفجار، يعاين صعب الأضرار ويتبادل الحديث مع موظفيه، مكتفيا بالقول “الحمدالله أن الجميع بخير”.
وتسبب عصف الانفجار باقتلاع الأبواب الخشبية من مكانها التي تحولت ألواحها الخشبية ركاما وضع جانبا بينما فقدت قناطر المنزل معالمها… فتحطم زجاجها وسقطت قطع حجارة كبيرة منها.
وت ظهر صور للمنزل، الذي يعود بناؤه إلى مطلع القرن العشرين، في مجلة مختصة بالهندسة المعمارية في 2009 قاعة واسعة في وسطها عمودان رخاميان وعلى جانبيها أبواب خشبية بيضاء. أما واجهتها فعبارة عن نوافذ كبيرة على شكل قناطر، وتتوسطها ثري ا كبيرة على النمط العثماني.
أما اليوم، فبات العمودان عبارة عن قطع حجرية ضخمة متساقطة، والنوافذ وكأنها لم تكن موجودة أساسا . ولا تتدلى من السقف إلا كابلات كهربائية.
ولا يزال بلاط الأرضية القديم الملون ومرآة كبيرة أثرية مزخرفة بالصدف على النمط الدمشقي، شاهدين على فخامة المنزل.
وأسفر انفجار مرفأ بيروت عن مقتل 177 شخصا وإصابة أكثر من 6500 آخرين. ونجم، وفق رواية السلطات والمصادر الأمنية، عن 2750 طنا من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة بطريقة عشوائية.
منذ كان لبنان تحت حكم السلطنة العثمانية ثم الانتداب الفرنسي (1920-1943)، بقيت الأبنية الأثرية في منطقتي الجميزة ومار مخايل ومحيطهما صامدة وإن تره لت بعض الشيء. لكن خلال ثوان فقط، تبد ل المشهد كليا مع انفجار تعادل قوته زلزالا شدته 3,3 درجات على مقياس ريختر.
ويقول جون زينون، مساعد صعب، لوكالة فرانس برس “هذا المكان كان ينبض بالحياة”، أما اليوم فلم تعد لديه واجهة أساسا ، وبات من الممكن رؤية محتوى البيت بسهولة من الخارج.
واقتصر الحاضرون في المنزل لحظة دوي الانفجار على عدد من الموظفين، وفق زينون الذي يحتفظ بشريط فيديو ي ظهر الأضرار في قاعة المنزل الرئيسية مباشرة بعد الانفجار، وقد غطى الزجاج والحجارة والمفروشات والأبواب المحطمة الأرض.
واتصل زينون بصعب لابلاغه ما حصل، وأتاه الجواب “الأهم ألا يكون مكروه قد أصاب أحدا ، لا أريد أن أرى بقعة دماء”، موصيا بإزالة الدمار.
واشترى صعب منزله في الجميزة العام 2006 وعمل على ترميمه وتحسينه بإشراف المهندس شكيب ريشاني.
ويشرح علي جفال، المسؤول الإعلامي في فريق صعب، أن الأخير أراد أن يحافظ على الطابع التراثي للمنزل من حيث هويته وهندسته المعمارية.
ويقول “كان البيت ملتقى خلال جميع مناسباته واحتفالاته الاجتماعية على الصعيدين المحلي والعالمي”.
ويقع مشغل وصالة عرض المصمم اللبناني العالمي زهير مراد على بعد مرمى حجر من موقع الانفجار.
وأظهرت صور نشرها على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي واجهات العرض محطمة، وجدران المبنى متصدعة فيما صمدت بعض الأحرف من اسمه على الواجهة الرئيسية المواجهة للمرفأ.
وكتب تعليقا جاء فيه “جهود سنوات ذهبت سدى في لحظة”، لافتا الى أن فريق عمله كان قد غادر قبل لحظات من الانفجار. وأبدى امتنانه لـ”لسلامة” موظفيه.
على بعد أمتار من منزل صعب في الجميزة، لم ينج مشغل المصمم اللبناني العالمي أيضا ربيع كيروز، الذي ارتدت نجمات عالميات من تصاميمه على غرار سيلين ديون، من الانفجار.
ويتخذ كيروز من قصر داغر المبني في القرن التاسع عشر مقرا لعمله. ونشر بعد الانفجار صورا على حسابه على “إنستغرام” تظهر ركاما داخل قاعة واجهتها مؤلفة من قناطر تقليدية. وفي غرفة أخرى تمثال عرض قرب طاولة مستطيلة تناثر الخشب والغبار والأوراق عليها.
وكتب تعليقا جاء فيه “سنترك الآن.. هذه السيدة الجميلة لتتعافى”، مضيفا “سنعود قريبا “.
وعلى غرار عشرات الآف اللبنانيين الذين تدم رت منازلهم أو تضر رت بشكل كبير، فإن أكثر ما يؤلم هو الذكريات الضائعة، وفق زينون.
إلا أن ذلك لن يثني كثيرين، رغم الانهيار الاقتصادي المتسارع، عن إعادة تأهيل منازلهم وترميمها.
وينقل زينون عن صعب قوله “لقد بدأنا (إعادة الاعمار) مرة، ويمكننا أن نبدأ من جديد”.