عبد العزيز قراقي
كتب الكثيرون عن مدينة الدار البيضاء، وسعى البعض منهم إلى فهم قدرتها على إيقاع كل من عبر منها في حبها، والافتتان بمعالمها، ولم يهتم بها أحد قبل الأستاذ حسن لعروس، كثقافة قائمة الذات سهلة التملك.
لقد أصبحت اليوم مدينة مترامية الأطراف متعددة الأجناس لا تنام ولا تستيقظ، ليلها كنهارها، استمرار لحركة ونشاط لا ينقطعان، يؤمها السائلون من كل حدب وصوب، ويقصدها الباحثون عن تحقيق الأحلام فيها يتعايش الفقراء وذوو الثراء، ومنها تنطلق الكثير من السلوكات لتعم باقي أرجاء الوطن، إنها المدينة التي تنصهر فيها الحضارات دون أن تفقد هويتها، فتصبح جزء من هذا الكل الذي يعتز بالانتماء إليه كل من استقر بها فما السبيل لفهم ذلك؟ هذا ما يساعدنا على إدراكه الكاتب والأديب ” حسن لعروس” من خلال كتابه ” المدينة القديمة بالدار البيضاء ذاكرة وتراث “
حددت المدينة القديمة معالم ثقافة الدار البيضاء فسطرت بذلك سلوك الإنسان ” البيضاوي “ الذي لم يهتم الباحثون به كهوية قائمة الذات يحكمها المجال الجغرافي دونما أن تبعد الانفتاح على كل الثقافات، ويتميز الكتاب بكونه شهادة شخص ولد في هذا الفضاء وعاش فيه لأكثر من ثمانين سنة، فنقل إلى القارئ ما علق بالذاكرة من أحداث وسلوكات وممارسات، وذلك بأسلوب يجعل القارئ يشعر وكأنه يقرأ قصة بداية مدينة الدار البيضاء، والكتاب وثيقة تاريخية هامة قد تساعد على فهم الكثير من الأمور التي لم يعد الناس يطرحون حولها تساؤلاتهم، ولكنهم في حاجة لمعرفتها ليتصالحون مع ذواتهم، فهو يذكرنا بأحداث 1907 الأليمة بكل ما حملته من جروح عميقة، جعلت سكان المدينة القديمة يناصبون العداء المستمر للمستعمر، ويتصدرون لوائح الشهداء، ولكن يقدم في نفس الوقت بشكل موضوعي يترك الحكم للقارئ بعض الأحداث التي راح ضحيتها أناس أبرياء. أما المهتم بالأنتربولوجيافي مدينة الدار البيضاء فلا غنى له عن هذا الكتاب، حيث سيتعرف على كل العادات والتقاليد والطقوس التي سادت ولا زال الكثير منها، وقد يجد مادة تصلح لتفكيك ثقافة ” بيضاوة “.
بينما سيجد فيه الرياضيون أجوبة شافية حول البدايات الأولى لممارسة كرة القدم بمدينة الدار البيضاء بالإضافة إلى تاريخ الوداد البيضاوي، وعلاقة الأب جيكو مؤسس الرجاء بذلك. كماسيعرفون من خلاله الملاكمون الكبار من مسلمين ويهود الذين تنافسوا على مختلف الألقاب.وإذا كانت جهة الشاوية قد عرفت على مستوى الأغنية الشعبية بالعيطة المرساوية فالكاتب حسن لعروس يقدم لنا نجومها الذين عاشوا بالمدينة القديمة و نسي الناس الكثير منهم، ممن لم يصلوا إلى شهرة بوشعيب البيضاوي والماريشال قيبو، مثل الشيخة “راضية “.
وخلاصة القول فحسن لعروس حاول من خلال كتابه تحدي النسيان ونقل كل ما عاشه في فضاء المدينة القديمة، متقاسما إياه مع الآخرين داعيا من خلال ذلك كل الباحثين والمهتمين إلى تعميق التفكير في هذه الثقافة التي لم تبق حكرا على “بيضاوة” بل أصبحت ملكا لكل المغاربة، إن الكتاب بقدر ما هو توقف عند ثقافة مدينة هو رصد لكيفية تتاقف الحضارات.