١ كيف تفهم الإلتزام في الفن ،، ؟
اذا كان الالتزام يعني التقيد بشروط يحددها التعاقد بين الأفراد وفق بنود قانونمعين فإن هذا المعنى لاينطبق على الفن لكون هذا الأخير هو أكثر المجالات إتساعاللتعبير عن الحرية والانفلات من السلطة بكل أشكالها .بالرغم من كون الالتزام فيالفن ارتبط بالسلطة عندما برز كأحد أسس نظرية الواقعية الإشتراكية في الفنخلال الثورة السوفياتية التي دعت الفنانين إلى تسخير فنهم في خدمة بناء المجتمعالاشتراكي والتصدي كذلك لخطر النازية الذي كان يهدد اكتمال مشروع بناءالمجتمع الاشتراكي وفي ظل كل هاته الظروف والشروط التي وضعتها الدولةوأسست لهذه المدرسة الفنية والأدبية التي أنتجت أعمالا فنية كبرى ، كان هناكبالمقابل فنانون كثيرون استطاعوا أن يقدموا أعمالا كثيرة في غاية الأهمية منالناحية الإبداعية دون الإلتزام الكلي بأسس الواقعية التي كانت في غالب الأحيانتعتبر العمال والفلاحين محورين أساسيين لكل عمل إبداعي
٢متى يمكن أن يكون الفنان ملتزما …؟
( يكون الفنان ملتزما حسب ظروف المجتمع الذي يعيش فيه . فالمجتمع الفلسطينيمثلا أنتج مايسمى بفن المقاومة .هاته التيمة التي أصبحت ملازمة لحياة المواطنالفلسطيني في كل تفاصيل حياته اليومية من خلال الشعر والموسيقى والرواية /نموذج توفيق زياد /محمود درويش/سميح القاسم /غسان كنفاني /فرقة أغانيالعاشقين والفنان التشكيلي يوسف كتلو المعروف بجدارياته المبهرة .إذا فهذاالمستوى من تطور الوعي الفني عند المبدعين وارتباطهم بقضايا مجتمعهم هومايعطي معنى خاصا للالتزام .الأمر الذي قد لايكون بالضرورة مشابها لفنانينآخرين يعيشون ظروفا وقضايا وأسئلة فنية اخرى مختلفة .
٣هل يمكن الحديث عن فن ملتزم في الموسيقى على غرار الغناء مثلا؟
لايجوز فنيا الحديث عن موسيقى ملتزمة بالمعنى الحرفي للكلمة. ولكن نستطيعالتسليم بوجود عدد لايحصى من الموسيقيبن الذين حددوا اختيارهم الفني فيإتباعهم لنموذج محدد من الموسيقى واعتباره نموذجا امثلا لتطوير موسيقاهم المحليةببلدهم كأسلوب الأوركسترا السيمفونية L’orchestre philharmonique أوموسيقى الغرفة Musique de chambre نظرا لما تعرفه هاته المدارس من غنىوتطور على مستوى التأليف الاوركسترالي ضمن ريبيرتوار الموسيقى الكلاسيكيةالغربية. وقد تجد آخرين ملتزمون باختيار أساليب موسيقى الجاز المتنوعة بينالكلاسيكية والحديثة ومنهم المنفتحون على كل أنواع موسيقى الشعوب Musique du monde إيمانا منهم بوجود الكثير من القواسم المشتركة بين كل شعوب العالمعلى مستوى الايقاعات والتركيبات النغمية من هنا يعني الالتزام الموسيقي هو تبنيمشروع فني محدد بكل مايحمله من أسس نظرية وجمالية لها روادها ومنظروها
٤ السياق العام التاريخي الذي أنتج ما سمي بالفن الملتزم عربيا في فترة منالفترات مختلف ربما عن سياقات اخرى تحرك هذا الجيل فنيا ؟
صحيح. لان الظروف والأوضاع السياسية لم تعد كما كانت عليه في السابق فإذاكان الفن والغناء الملتزم بالنسبة للأجيال السابقة قد ارتبط أساسا بقضية فلسطين48 وماسمي بالنكسة العربية سنة 67 وكذا الحرب الطائفية في لبنان سنة 75 ومانتج عن ذلك من ابداعات وتجارب موسيقية متنوعة و نقاشات حول دور الفنالموسيقي بشكل عام في تطوير وتنمية الذوق ودور الغناء في التعبير عن القضاياالانسانية و السياسية والاجتماعية فإن اليوم لم يعد لمثل هاته الأسئلة نفسالصدى الذي كان من قبل بسبب حدة تفاقم الأوضاع الاجتماعية العربية وماعرفتهمن تحولات وانقلابات بعد ماسمي بالربيع العربي وماترتب عنه من تدمير لما تبقىمن الأحلام ونشر هذه الحالة المخيفة من اليأس والضبابية حول المستقبل في غيابالحوارات التنويرية مع المثقفين عبر الندوات والمؤسسات الثقافية والفنية كما عشنانحن في السابق. ففي بلدنا مثلا تم اليوم القضاء على المعاهد الموسيقية الأكاديميةوتعويضها بالثقافة الموسيقية السطحية التنشيطية وإعطائها المكانة القصوى عبرالإذاعات المتعددة الخاصة بدعوى تشجيع المواهب الشابة. فهذا إذا هو السياقالذي يحرك هذا الجيل البعيد عن الأسئلة الملحة حول مستقبل الموسيقى والغناء مع بعض الاستثناءات القليلة جدا طبعا
٥ بعد الأشكال الفنية الجديدة التي يعبر من خلالها بعض الفنانين الشباب عنرفضهم للواقع والصادمة احيانا على مستوى الكلمات واللحن هل تدخل في سياقالالتزام الفني ،،ام ان الالتزام في الفن يعني بالضرورة توفر العنصر الجماليوالفني في العمل ؟
إن حصر الإلتزام في مضمون الكلمات واعطائه الأهمية الكبرى على حسابالموسيقى قد يحول العمل الفني إلى خطاب مباشر تكون نتيجته عكسية فيمايتوخاه الفنان الملتزم من الوصول إلى درجة عالية من الجمالية والإتقان والتأثير . فالتغني مثلا بمعاناة الفقراء والجياع وتصويرها والتعبير عنها موسيقيا لن يتمالوصول اليها إلا من خلال موسيقى تصويرية تعبيرية قادرة على الوصفبالاحساس بالفقر والجوع لذا كان من غير المقبول فنيا فصل المضمون عنالشكل علما أن الموسيقى الصرفة لوحدها تتضمن “الشكل والمضمون ” في آنواحد بحكم طبيعتها كفن تجريدي مستقل قائم بذاته لهذا فالتوفيق بين كل هاتهالعناصر هو الهدف الأسمى من أجل الوصول ألى درجة الاكتمال الفني الموسيقيالغنائي وهذا في رأيي هو المعنى الأقرب إلى الالتزام
٦ كنت من مؤسسي فرقة النورس الغنائية التي وصمت آنذاك من طرف النقاد بصفةالالتزام ،،لماذا انتهت هذه التجربة وهل يمكن لتجربة مماثلة الان ان تحقق النجاح ؟
بالفعل كانت تجربتنا السابقة في فرقة النورس والتي اسسناها في البداية كشبابوكهواة لهم امتداد داخل الجمعية المغربية لتربية الشبيبة ذات الأصول الوطنيةالعريقة في النضال خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي والتي تم تأسيسها سنة1956 . كانت النورس تصنف ضمن تجارب الفن الملتزم القليلة جدا والمحسوبة علىرؤوس الاصابع لكوننا كنا قد راهنا على على التوفيق الدائم بين القصيدة الشعريةزجلا كانت أم بالعربية الفصحى من جهة وبين الاجتهاد على صعيد البحثوالتطوير الموسيقي واعتباره مسالة جوهرية .ومن التحديات التي وضعناهاكموسيقيبن داخل الفرقة هي أن يحصل كل الأعضاء اللذين يصل عددهم إلى 8 على شهادة التخرج من المعهد الوطني كل حسب تخصصه /العود/الكمان / الألطو/البيانو/الإيقاع والغناء هذه الإمكانية جعلت من فرقتنا عبارة عن محترف للبحثالمستمر ترتب عنه تسجيل ألبومين غنائيين مابين سنتي 1993و 2003 هذه التجربةلم يكتب لها الاستمرار بفعل الحصار الإعلامي الذي عانيناه. وفي ذلك حكاياتطويلة لا يتسع المجال لذكر تفاصيلها .هذا النموذج من التعاطي مع معنى الالتزاملايمكن أن يتكرر عند الجيل الجديد بحكم انتفاء الشروط التي أنتجته . إذ قد يصعباليوم الحديث عن الالتزام خارج سلطة وهيمنة الصورة والفيديو ودورهما فيالتفاعل والتأثير المباشر على إعادة تشكيل الوعي و الذوق الفني هنا تكمن صعوبةالفنان الملتزم و الصادق والمجتهد في صراعه و محاولاته المتكررة لإبراز الجمال مقابل صور العنف والدم
٨ لدي انطباع بان آلة العود هي آلة ملتزمة ؟
كلما حضنت هذه الالة الا ويحضرني تاريخها الذي يعود لأكثر من 3500 سنة ق. موالتي ارتبط اسمها بعصر الممالك القديمة عند المصريين القدامى كما هو معروضمثلا بالمتحف المصري برلين أو عندما أقرأ عن أهميتها واقدميتها عند الفارسيينوازدهارها عندهم وعن كل الحظارات الاخرى التي مرت منها إلى حدود انتقالهاإلى أوروبا فإنني أمام كل هذا التاريخ الذي يجعلي اعشق هذه الآلة لدرجة تفوقكل معاني ” الاحترام والالتزام ” تصل حد القداسة