أعادت حفلات ( ليالي المدينة ) التي انطلقت مساء الاثنين في إطار مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة في دورته 22 الجمهور إلى الانغماس مجددا في أجواء التأمل والانتشاء من خلال عروض فنية توزعت بين عدة فضاءات بالمدينة أحياها فنانون متمكنون من المقامات الموسيقية ومن مختلف التقاليد والتعابير الفنية كالرقص والغناء والعزف .
واستطاع هؤلاء الفنانون الذين حجوا من بلدان من بينها إيطاليا والهند إضافة إلى المغرب خلال الحفلات الفنية التي أحيوها بعدة فضاءات أن يبهروا الجمهور الذي تتبع هذه العروض بلوحات فنية تمتح من الموروث الموسيقي الذي حافظ على خصوصيات التربة التي ترعرع ونما فيها والذي يعكس التقاليد العريقة للإبداع والموسيقى التي تمتزج فيها دقات الطبول والإيقاعات مع صدح أصوات النساء وتعابير الجسد في توليفة فنية تستعيد صفاء ونقاوة نبع موسيقى الشعوب .
وقدمت مجموعة ( أوفيتشينازووي ) من إيطاليا بجنان السبيل مجموعة من المقطوعات الغنائية التي تتغنى بالحب والعمل والعلاج والتي تعكس تنوع وغنى الموروث الفني للجنوب الإيطالي الذي حافظ على طابعه الرعوي والديني والدنيوي المترابط في الجوهر .
وأدى أعضاء الفرقة الإيطالية رفقة ماريا ماتزروتا ( غناء ) وماريستيلا مارتيلا ( رقص ) لوحات فنية تمجد تقاليد أرض (سالينتو ) الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي من ( بوييس ) والتي يأتي فيها الرقص والموسيقى بالمعجزات حيث تتداخل دقات الطبول والغناء والرقص والجدبة في علاج المرضى واستئصال السم الذي يتسرب من اللدغات العنيفة لبعض الحشرات .
وتعود أصول هذا اللون الفني الذي برع أعضاء الفرقة في أدائه إلى الشعائر الديونيزوسية التي كانت تقام في العصور القديمة حيث يستدعي موسيقيو الجماعة لمعالجة المرأة التي تلدغ ويتسرب السم إلى جسدها ويظلون يعزفون إيقاعات خاصة تقودها فورا إلى الانخراط في رقصة متوحشة وهم يرافقونها حتى تدخل في ( الحال ) ليسهل عليهم استئصال السم فتستعيد المرأة عافيتها .
ومن جهتها رددت فرقة موسيقية ضمت فنانين هنديين من كالكوتا وشيناي ومومباي وجودهبور وجيبور إلى جانب آخرين قدموا من مدن الدياسبورا الهندية كلندن ومانشيستر وتورينتو المقامات الساحرة التي تميز الموسيقى الهندية خلال حفل فني أعاد أجواء التأمل والانتشاء التي تصاحب لون ( الراغا ) الهندية .
واستطاع هؤلاء المبدعون ومعظمهم أساتذة شباب يعزفون الموسيقى الهندوستانية والكارناتية والذين شاركوا لأول مرة في حفلات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة أن يأسروا الجمهور بمقطوعات تستعيد المقامات التقليدية للموروث الموسيقي الهندي مع تجديدات عكست انفتاح هذا التراث الفني على مختلف التعابير الفنية مع محافظته على أسس التقاليد العريقة للموسيقى الهندية .
كما تميزت الحفلات الأولى ل ( ليالي المدينة ) بتقديم عرض فني عبارة عن توليفة موسيقية أصيلة أبدعها سوميك داتا بمشاركة كورماك بيرن الذي يتقن العزف على الآلات الإيقاعية وهي عبارة عن تحفة فنية تجريبية للمخرج الكبير ساتياجيت راي بمشاركة الجوق الكلاسيكي المغربي بقيادة الفنان عزيز الأشهب .
وستتواصل حفلات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بتنظيم سهرات فنية وأمسيات صوفية ستحتضنها مجموعة من الفضاءات التاريخية كباب الماكينة ودار عديل وجنان السبيل وغيرها تحييها العديد من الفرق الفنية والمجموعات الغنائية التي تضم مبدعين وعازفين قدموا من مختلف بلدان العالم .
وتحتفي الدورة 22 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة الذي تنظمه مؤسسة ( روح فاس ) بالنساء المشيدات من خلال استحضار في قالب فني بادخ مسار العديد من النساء اللواتي تركن بصماتهن على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب .
وتنفيذا للتصور الجديد للمهرجان كما اعتمده المشرفون على هذا الحدث الثقافي والفني الدولي والمتمثل في تخصيص كل دورة من دورات المهرجان للاحتفاء ببلد معين كضيف شرف فقد تقرر خلال الدورة الحالية الاحتفاء بدولة الهند البلد الغني بتاريخه العريق وثقافته الواسعة من خلال تقديم حفلات فنية يشارك فيها العديد من المبدعين والعازفين والمغنين والراقصين .
ويشكل مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة منذ دوراته الأولى رحلة ساحرة نحو فضاء الإبداعات الموسيقية والإيقاعية التي أنتجتها مختلف الثقافات والشعوب منذ القدم .
واستطاع هذا الحدث الثقافي والفني العالمي منذ انطلاقته قبل 22 سنة أن يحتل مكانة هامة على الصعيد الدولي باعتباره أحد أهم التظاهرات العالمية في مجال الموسيقى العريقة .