توهم بعض من المهتمين بالشأن السينمائي بالمغرب أن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية قد دخلت مرحلة الاحتضار، وأنها تعاني سكرات الموت ، ورفع البعض الآخر من سقف توهماته ، فأعلن موتها وشيعها إلى مثواها الأخير. غير أن واقع الحال يفند بالملموس هذه التوهمات ، فلازالت الجامعة حية ترزق ، ولازالت حاضرة في المشهد السينمائي المغربي ، ولازالت تكافح من أجل تأدية دورها الذي من أجله وجدت . صحيح أن مسيرتها عرفت العديد من العثرات ، وصحيح أيضا أن أداءها لم يكن بنفس الدرجة من التألق على مر الأزمنة ، لكن حرص عشاق السينما الجادة على استمرارية هذه المنارة في أداء دورها ، كان بمثابة الجدار الذي تحطمت على أسواره كل الإكراهات الذاتية والموضوعية التي كانت بين الفينة والأخرى تفعل فعلها من أجل أن تفت من عضد هذه المنارة وأن تلقي بها خلف جدار الذاكرة .
لا أروم في هذا المقام تقليب صفحات تاريخ الجامعة ، ولا الوقوف عند محطاته المضيئة ، يكفي فقط أن أشير إلى الدور الكبير الذي لعبته في تكوين أجيال من النقاد والسينمائيين والباحثين لا ينكر إلا جاحد إسهامهم الواضح في تحريك عجلة العمل السينمائي المغربي تنظيرا ونقدا وممارسة . كما لا أريد الوقوف طويلا عند الإكراهات التي صادفتها المكاتب الجامعية والمحلية التي تحملت مسؤولية التسيير، والتي أثرت بشكل سلبي على وثيرة نشاطها ، يكفي أن أذكر التراجع المهول لعدد القاعات السينمائية ، وارتفاع تكاليف كرائها ، والفتور الذي طال حماس العديد من المنتسبين إلى الأندية السينمائية ، بالإضافة إلى الثورة الإعلامية التي استقطبت العديد من منخرطيها .
يهمني في هذا المقام أن أنظر إلى واقع الجامعة ، وأن استشرف بعضا من معالم مستقبلها ، يدفعني إلى ذلك قناعة مؤداها أن هذه المنارة الثقافية لم تستنفذ بعد مبررات وجودها ، وأنها لازلت حية ترزق ، وأنها ستبقى صامدة في وجه عوادي الزمن مادامت الحاجة إليها قائمة . ولو كان الأمر خلاف ذلك لما وجدنا هذا الحرص من طرف الجامعة – باعتبارها إطارا يلتئم بداخله عشاق الفن الرفيع ببلادنا – على تمتين جسر التواصل بين مختلف مكونات الفعل السينمائي المغربي عبر تنظيم مجموعة من الملتقيات السينمائية التي تحتفي بالإنتاج الوطني في المقام الأول ، وتسائل منجزه الإبداعي والنقدي . يكفي أن أشير فقط إلى ملتقى الجامعة الصيفية للسينما الذي ينظم بالمحمدية .
فالناظر في برنامج هذا الملتقى يدرك أن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب لازالت تدين بالولاء للغايات الكبرى التي من أجلها تأسست : تشجيع الحركة السينمائية المغربية ، والرقي بذوق المتلقي ، وتكوين الفاعل السينمائي المغربي ، وتثمين مجهوده الإبداعي والتقدي . ففي البرنامج عروض لأفلام روائية طويلة وقصيرة لمخرجين مغاربة ، وفتح نقاشات بشأنها ( فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق ، أياد خشنة لمحمد عسلي / فين ماشي ياموشي لحسن بنجلون / براق ، آخر الشهر ، نشيد الجنازة ، رقصة الجنين لمحمد مفتكر ) . وفيه أيضا ورشات تكوينية تهم مجالات السيناريو والإخراج والمونطاج . كما يضم البرنامج مسابقة للأفلام ( مسابقة محمد الركاب للأفلام القصيرة ) ، وقراءات نقدية لمجموعة من الإصدارات ( كتب الناقد السينمائي المغربي حميد تباتو ) بالإضافة إلى عقد ندوة فكرية ( السينما والتاريخ ) .
إن تنظيم ملتقى سينمائي بشكل منتظم كل سنة ، لمن شأنه أن يضخ دماء جديدة في شرايين الجامعة ، ويمدها بنفس آخر من أجل مواصلة السير ، ويبعث الاطمئنان في نفوس عشاق الفن الرفيع أن بإمكانهم أن يواصلوا متابعة أعمال سينمائية متميزة ، ويبدد بعضا من الأوهام التي يعتقد حاملوها أن الجامعة قد فقدت شرعية وجودها .
وبالنسبة للآفاق المستقبلية ، لابد للمكتب الجامعي أن يضع تصورا بعيد المدى يستوحي بعضا من مفرداته من الغايات الكبرى التي من أجلها تاسست الجامعة الوطنية ، وأن ينفتح على المستجدات التي عرفها المجال السمعي البصري نتيجة للفتوحات التي نجمت عن الثورة المعلوماتية الجديدة . فبالقدر الذي لا ينبغي فيه التفريط في المكتسبات من خلال الاستمرار في تبني سياسة التكوين والتأطير وتشجيع الجودة والإسهام في صياغة الذوق الفني السليم ، والوعي السينمائي الراقي ، واستحضار روح التطوع والمبادرة ، بالقدر الذي ينبغي فيه الانفتاح على المحيط الجديد الذي تشكل الثورة المعلوماتية أبرز عناصره ، ومحاولة استقطاب المنخرطين في عالم هذه الثورة خصوصا أولئك الذين يتوقون إلى أن يكون تعاملهم مع الصورة تعاملا منتجا .
غير أن فرص نجاح أي تصور مستقبلي تقترحه الجامعة الوطنية للأندية السينمائية للنهوض بالعمل السينمائي في بلادنا ، لا يمكن أن يكتب له النجاح المطلوب ما لم يدعم دعما حقيقيا من طرف المؤسسات الرسمية للدولة كالوزارة الوصية على القطاع ، والمركز السينمائي المغربي ، والمجالس المنتخبة محليا أو إقليميا أو جهويا . والدعم الحقيقي ليس صدقة أو منة ، وإنما هو حق من الحقوق الذي ينبغي أن يترجم بوضوح سياسة الدولة في التعاطي مع القطاع السينمائي ، باعتباره لبنة أساسية من لبنات أي مشروع ثقافي يراد تأسيسه .
بوشعيب الخياطي