الجمعة , 29 مارس 2024
الرئيسية » أسفار » تزنيت مدينة من فضة

تزنيت مدينة من فضة

تقديم :

مكانة هذه المدينة استثنائية عند المغاربة فهي البسيطة والعميقة في آن واحد ، وهي التي جمعت بين الحسنين روعة الموقع على أجمل شواطئ المملكة الأطلسية (تتوسط اكادير وتارودانت ) وأصالة وبساطة سكانها الذين تربعوا على عرش الفضة في المملكة وانتزعوا لمدينتهم لقب مدينة الفضة بدون منازع .

في آخر تنافس فيما بينها وبين مدينة الصويرة تمكنت مدينة تزنيت في الجنوب المغربي من الظفر بصفة – مدينة الفضة – على صعيد المملكة وهي صفة يصعب حملها بسهولة بنظر للشروط التعجيزية التي تشترطها لجان المراقبة ، ومن بين هذه الشروط لا الحصر قياس درجات الاحتفاء بالتحف التقليدية الفضية ومدى تماهي الصناع التقليديين مع المادة الخام لإنتاج صاغة تحمل طابع المدينة بخصوصياتها الامازيغية ، وهو ما بدا أن المدينة توفقت فيه إلى حد كبير اعتبارا لان عدد صاغتها المعتمدين المشهود لهم بالخبرة والحرفية تجاوز بكثير الباعة في المدينة والذين يكتفون فقط بالمتاجرة في التحف الفنية الفضية وترويجها داخل وخارج المغرب وهو معطى كان في صالح مدينة تزنيت لتحمل لقبا تنافست عليه غالبية مدن الجنوب المغربي حيث تنتشر صناعة وتجارة الفضة .

عروس سوس

كي تصل إلى مدينة تزنيت في الجنوب المغربي قادما من مدينة أكادير الشهيرة تلزمك ساعة من الزمن تقطعها على متن السيارة بمحاذاة أجمل وأنظف الشرائط الساحلية في المملكة حيث تتواجد هذه المدينة الامازيغية التي حملت على مر السنين أسماء عديدة ترجمت هذه المدينة بتنوعها الثقافي والحضاري والتراثي أيضاً فهي ” منبع العين الزرقاء ” وهي ” عروس سوس ” وهي ” مدينة الفضة ” وهي ” المدينة السلطانية ” تخليدا لزيارة السلطان المولى الحسن الأول عام 1882 حيث أمر بإنشاء سورها الخالد لتحصينها وهو السور الذي يشهد على عراقة هذه المدينة التي تفتخر بمآثر عدة لا تخطئها العين لكونها تتواجد في قلب المدينة وتمنح للزائر سحرا خاصا منبعه فضاءات تاريخية مباح دخولها والتجوال في مرافقها واحتساء أكواب الشاي بالنعناع التزنيتي الأخضر المسقي بماء منبع العين الزرقاء الذي دبجت حول عذوبته القصص وتغنى بمذاقه الشعراء في المنطقة .
فالمآثر التي تتشكل أساسا من السور الكبير والأبواب الخمسة والأبراج الستة والخمسين عبقها لا يقل أريجا عن عبق مآثر أخرى نختصرها فقط في القصبة ” قصبة أغماج ” ومئذنة المسجد الأعظم وسوق الفضة ،،،وكلها توفر بالإضافة إلى كونها أماكن تاريخية توفر متعا كثيرة تستجيب لشرط الاستجمام في تلاقي مع ما تزخر به هذه المدينة الامازيغية من مؤهلات سياحية هائلة انطلاقا من الشواطئ النظيفة والشاسعة مرورا بالفضاءات الخضراء المتعددة بمزارعها التقليدية وأشجار الزيتون والخروب والنخيل في علاقة أبدية مع انسياب مياه العين الزرقاء وعيون أخرى حافظت على تقليدانتيها المتمثلة في السواقي وقنوات الجر ، وهي مؤهلات لا تكتمل دون أن يسجل الزائر علامة مروره من هذا المكان باقتنائه لبعض الصناعات والمنتجات المحلية التزنيتية (نسبة لتزنيت) الخالصة كالعسل الحر وزيت أركان والسمن البلدي واللوز الشهير بمذاقه اللذيذ وبعض المنتجات اليدوية التي تحاك أو تصنع أو تخاط بأيدي نسوة هذه المدينة العريقة.

عاصمة الفضة

النسخة الرابعة من مهرجان “تيميزار للفضة” الذي تحتضنه مدينة تزنيت تميزت هذه المرة بشعار شاعري وعميق يقول ( المجوهرات الصامتة أكثر تأثيرا على المرأة من أحلى الكلمات ) وفي هذا الشعار الذي كتب بالأمازيغية الكثير من علاقة ساكنة هذه المدينة مع الفضة حيث دخلت إلى موسوعة غينيس العالمية حين أبدعت أنامل أبناءها وأنتجت اكبر خنجر فضي بلغ طوله الثلاثة أمتار ونصف المتر وهي مثابرة منحت للمدينة السبق الفضي حين تحولت في السنوات الأخيرة إلى اكبر سوق وطني يشتهر بجودة وأصالة المنتوج الفضي ما خلق رواجا كبيرا أنعش المنتوج والعاملين ضمنه حيث فاق عدد المحلات والأوراش التي تصنع وتبيع الحلي الفضية ال 900 محل يتوزعون في كل مداخل ومخارج المدينة ويتوسطونها في القيساريات الشهيرة لتي لا تحتاج إلى دليل ومن بينها القيساريات العتيقة ( البركة) ( اللوبان) والحوانيت المنتشرة بالأحياء العتيقة ثم المحلات الحديثة بسوق الباشا والمجازر القديمة بجوار مركب الصناعة التقليدية الذي توجد في قلبه العديد من البازارات التي تعتمد أساسا على ما تبدع أيدي نساء ورجال تزنيت داخل منازلهم وهي في الغالب تحفا فضية غاية في الجمال .

هوية وجمال

يصر كل صياغين الفضة في تزنيت على أن الأشكال والتصاميم التي يشتغلون عليها لصياغة حليهم الفضية هي أشكال هندسية نابعة من تراث محلي يرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية الحضارية والتاريخية والثقافية للمنطقة فحلية ” المشبك الفضي ” المعروفة باسم ” تازرزيت” محليا والتي أصبحت رمزا أمازيغيا ترمز إلى اندماج هذه المدينة في محيطها الثقافي والقبلي ، وهو المحيط نفسه الذي يستحضر دائماً البعد الجمالي للحلي التي ارتبطت دوما بالمرأة كأحد أدوات التزيين التي أبدع الصانع التزنيتي وعلى مر العصور تصاميم فضية تسلب العقول ومن ذلك التاج المرصع بالزجاج الأحمر على رأس المرأة ثم الخلالة بالحجاب المزينة بالنقود القديمة تتوسط صدر المرأة تليهما القلادة المرصعة بالأحجار الكريمة على العنق ناهيك عن المضمة ( حزام) المرصعة بالزجاج المخلوط بالنقود الفضية فوق اللباس محاطا بعناية على البطن ، وهي كلها عناصر لا تكتمل دون خلخال القدمين ودملج الربع الحساني في اليدين في تجاوب وتماس مع خواتم الأصابع المنقوشة بعناية فائقة عكست قدرة إنسان تزنيت على تطويع المعادن وتحويلها لأشكال فنية ناطقة بالجمال .

شاهد أيضاً

بعد عامين من الصمت.. المهرجانات الموسيقية في المغرب تستعيد صخبها

تستعيد مهرجانات الموسيقى الكبرى في المغرب صخبها هذا الصيف بعد عامين من التوقف الاضطراري بسبب …