اليوم نحتفل بالذكرى الثالثة والعشرون على انعقاد المناظرة الوطنية الأولى والأخيرة للمسرح الاحترافي بالمغرب والتي جاءت خلالها الرسالة الملكية التي اعتبرت ميثاقا واعترافا مولويا بهذا الفن الراقي. في مثل هذا اليوم 14 ماي 1992 أصبح هذا التاريخ منذ ذلك الحين يوما وطنيا للمسرح المغربي لكن مع الأسف بدل أن نحتفل فيه بنهضة مسرحية وطنية وبتفعيل الرسالة الملكية التي جاءت بحلول ناجعة لأزمة المسرح الاحترافي المغربي وللمسرحيين المحترفين الذين لا يمتهنون مهنة أخرى غير المسرح والذين كان يشرفني أن أكون لسانهم الذي نطق بكلمة حق وفجر المسكوت عنه في ملف المسرح المغربي الاحترافي خلال برنامج تلفزيوني مذاع على القناة الأولى يشاء القدر أن يشاهده آنذاك المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله ليتعرف على قضيتنا وليستقبلنا بالديوان الملكي يوم 28 مارس 1991 ويعيننا على رأس اللجنة الملكية الموكول إليها إعداد تصور عام للنهوض بالمسرح الاحترافي المغربي ، بعد ثلاث وعشرين سنة من ذلك التاريخ نجد أنفسنا اليوم نحن المسرحيين المحترفين في نقطة الصفر من جديد، ذهبت كل مكتسباتنا أدراج الرياح، تكالب على مشروعنا المسرحي الوطني بلغة السيد رئيس الحكومة ” التماسيح والعفاريت ” الذين فشلت للأسف حكومته في اصطيادهم، انقض على مشروعنا الثقافي الوطني رؤوس الفساد في القطاع الثقافي وذوي الأجندات الفرنكفونية، تم إقصاؤنا منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا من كل اللقاءات والاجتماعات التي تخص التأطير القانوني للمسرح الاحترافي المغربي وجردونا من حقنا في التعبير عن رأينا ووجهة نظرنا في مستقبل مسرحنا الاحترافي المغربي وثقافتنا الوطنية ليختلوا بمكتسباتنا ويتقاسمونها كالغنيمة على بعضهم البعض ثم يشربون نخب ” الشهيد المسرح المغربي ” من دمنا .
الطفل الذي ولد يوم 14 ماي 1992 أصبح اليوم شابا. ماذا وهبته الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم؟ أين هي مشاريعهم الثقافية؟ أين هي الأكاديميات العليا الفنية المتخصصة ذات التوجه الوطني ؟ أين هي الفرق الوطنية الجهوية المحترفة ؟ أين هي المسارح المضاءة للعروض يوميا كباقي دول العالم ؟ أين هي صالات السينما والمكتبات والأوبرات ؟ أين هي الفضاءات الثقافية والبرامج الثقافية التنموية وليست المناسباتية ؟ ماذا صنعت هذه الحكومات لهذا الجيل غير الفساد والهدر المدرسي والتهميش والفراغ والإحباط والعنف والإدمان والتطرف والتشرميل ؟ وما حال المسرح المغربي والثقافة الوطنية بشكل عام في بلدنا إلا من حال التعليم لأنني أؤمن انه لا ثقافة بدون تعليم ولا تعليم بدون ثقافة. وعندما نشهد بعد تسعة وخمسين سنة على استقلالنا هذا الجدل العقيم حول تعليم اللغة العربية المستهدفة من اللوبي الفرنكفوني الذي يشتغل ليل نهار وبإمكانيات وميزانيات ضخمة من أجل تحجيمها وإهانتها لتحقيق مكاسبه الاقتصادية على حساب لغتنا وثقافتنا الوطنية وهويتنا الحضارية، كيف لنا أن نحتفل باليوم الوطني للمسرح وقد أصبحت الثقافة في بلدنا تدار بتوجه فرنكفوني؟ أصبح المسرح فرنكفونيا والسينما فرنكفونية والبرامج والدراما التلفزيونية فرنكفونية والمهرجانات فرنكفونية والملصقات والحملات الدعائية فرنكفونية في بلد صوت فيه المغاربة بنعم لدستور يعتمد اللغة العربية والأمازيغية لغة رسمية !
عندما احتلتنا فرنسا بقوة السلاح قاومها الشعب المغربي يدا واحدة بقوة ثقافته وانتمائه الوطني وانتصرنا وحصلنا على استقلالنا، لكن اليوم تحاول اللوبيات الفرنكوفونية المنتشرة في مختلف مؤسساتنا الوطنية أن تجرد أبناءنا من لغتهم وثقافتهم الوطنية الأصيلة لتحكم السيطرة على مستقبل وطننا لكن هيهات فلن نكل ولن نمل عن المقاومة وعن المطالبة باسترجاع مسرحنا المغربي الوطني ومشروعنا الثقافي الوطني المسلوب بإرادة قوية ونضال مستمر وبتكتل جميع الفئات الوطنية في مجتمعنا لمواجهة لوبيات الفساد وذوي الأجندات من أجل غد أفضل لأبنائنا ولوطننا.
إمـــضــاء: عبد القادر البدوي
14 ماي 2015