تقديم :
الموسيقى الحسانية هذا المزيج الساحر مابين الموسيقى الإفريقية والعربية ..هي عنوان شاعرية مفرطة لإنسان الصحراء من بلاد البيظان (موريتانيا حاليا ) إلى جنوب الصحراء المغربية حيث يتوحد الشعر والغناء والإنسان والمكان .
ارتبطت الموسيقى الحسانية في الصحراء المغربية بالشعر الحساني حيث سمي المغني بالشاعر وسمي الشاعر بالمغني لأن كل مقام من مقامات الموسيقى الحسانية يغنى في بحر أو أبحر خاصة من الشعر الحساني الذي يمكن اعتباره امتدادا للشعر النبطي العربي القديم حيث أن سماع الأغاني الحسانية يعني تمثل بناء شعري فريد في توزيع الأغاني
وقد لعب على مر التاريخ المغني الحساني دورا رياديا في مجتمعه الصحراوي ، وحظي باحترام كبير بالنظر إلى أن الغناء الحساني في هذه المجتمعات الصحراوية المغلقة اكتسب لسنين طويلة عن طريق الوراثة وفي مجال عائلي ضيق ومحتكر ما أعطى للشعر والغناء الحساني تلك الحظوة والقوة والتأثير وأعطى للنشاط الغنائي الحساني هيبته وطقوسه التي لا تنتهك حيث تعد الخيمة الصحراوية المكان المناسب لكل نشاط غنائي حساني بما يرافق ذلك من ذبح الذبائح وإعداد اللحوم المشوية بحليب النوق والشاي الصحراوي الذي يعد من العادات المتأصلة في الصحراء .
النفس العربي
النفس العربي في الموسيقى الحسانية هي أحد المميزات الكبرى لهذه الموسيقى حيث يظهر ذلك جليا في الإيقاعات وخاصة إيقاع ” الطبل ” هذا الأخير يشكل الجزء الأهم في هذا النوع من الموسيقى خاصة عندما تترافق إيقاعاته الرنانة مع براعة الرقص الصحراوي الذي تتفنن فيه بشكل خاص النساء اللواتي يقمن بحركات تعبيرية بالأيدي والأصابع المخصبة بالحناء في تماهي ساحر وناعم ومحسوب بين الجسد والموسيقى
وقد فرق المهتمون بالفن الحساني مابين الرقص لدى الرجال والقرص النسائي حيث يعتبر محمد بابا ولد حامد أن الرقص أو (الركيص باللهجة الحسانية ) فن إيقاعي لدى الرجال وهو أكثر حركية وأكثر التصاقا بالشباب ويعطي مثلا برقصة ” كيرى” التي يؤذيها رجلان متقابلان يقتصران فقط على تحريك الأرجل ، أما فيما يخص الرقص النسائي فيلاحظ الباحث ولد حامد أن النساء المسنات يرقصن وهن يضعن اللحاف الصحراوي على وجوههن مكتفيات بحركات اليدين أو ما تسمى ب “الترتيم ” على إيقاع موسيقي هادئ بعكس الفتيات الشابات حيث يرقصن الرقصة الأكثر صخبا وهي رقصة ” كمبة” والتي تقترب في جوهرها من رقصة ” الكدرة ” الأكثر شهرة في الغناء الحساني والمتميزة بإيقاعاتها الهزازة واحتفاليتها والتي تتميز دون غيرها من الرقصات برقص امرأة واحدة وسط حلقة (دائرة) من الرجال يضربون بالأكف ويلفون في أماكنهم في طقس بهي وحماسي منقطع النظير.
الطبل
الطبل في الموسيقى الحسانية هو صانع اللحن الصحراوي المتميز وعنوان الإيقاع الصحراوي الذي ارتبط بالمكان لآلاف السنين حيث يعد من أهم وأعرق الآلات الموسيقية التي يستعملها المجتمع الحساني الذي برع أهله في صناعته من مواد بسيطة ومتوفرة في مجتمعات صحراوية كجلود الماعز والخشب المأخوذ من الشجر المنتشر في الواحات الصحراوية ، وقد أبدع وتفنن الفنان الحساني في الحصول على صنوف صوتية بديعة وجذابة عن طريق آلة الطبل التي صارت أهم الآلات الموسيقية التي يفضلها الصحراويون عن غيرها من الآلات التي تستعمل في كل الطقوس والمناسبات دون استثناء .
وقد كتب الكثير عن الطبل كآلة عريقة موغلة في القدم حيث يعتبر البعض أنها تعود إلى حوالي 6000 سنة قبل الميلاد ، فيما تحدثت الكثير من الكتابات عن المكانة المقدسة التي حظي بها الطبل في الحضارات السومرية والبابلية وفي بيوت الحكمة والهياكل الدينية القديمة .
الآلات الموسيقية
إذا كان الطبل كما يقال أب الموسيقى الحسانية فان ميزة الموسيقى الحسانية أنها استعملت دائما آلات موسيقية تقليدية يصنعها صناع حرفيون تقليديون في تماس مع شكل ولون وزمان ومكان الموسيقى الحسانية
ومن بين هذه الآلات نجد آلة ” التدنيت” وهي آلة موسيقية تقليدية عبارة عن خشب دائري عليه طبقة من جلد الغنم وخشبة طويلة مصنوعة من شجر محلي وعليها أوتار كانت تصنع قديما من ذيول الخيل أما الآن فتصنع من أمعاء الشاة بعد ذبحها وهي آلة رجالية يعزف عليها الرجال فقط وهذا طقس مقدس لأنه من النادر وأحيانا من العار أن تعزف النساء على آلات الرجال والرجال على آلات النساء
آلة “الاردين” هي آلة موسيقية نسائية بامتياز في الموسيقى الحسانية وهي آلة لا تختلف كثيرا عن آلة ” التدنيت ” الرجالية باستثناء أوتارها التي تنقسم بين الوتر الطويل والوتر القصير عكس الأوتار الطويلة جميعها في آلة التدنيت الخاصة بالرجال وهي آلات إلى جانب آلات أخرى مساعدة أو مكملة في الموسيقى الحسانية كالربابة والناي والمزمار والتي يبقى الطبل فيها روح وجوهر هذا النوع من الموسيقى الساحر والعتيق
جيد