الأغنية المغربية
أزمة جمهور أم أزمة إبداع ….؟
تقديم :
تعدد أنماط وأشكال الأغنية المغربية يجعل من الحديث عن أزمتها حديث ذو شجون لأنه يستحضر ماضي وحاضر هذه الأغنية التي تم اختصار أزمتها في “الأغنية العصرية” وكأن الموسيقى الأندلسية وموسيقى الملحون والطقوقة الجبلية والمرساوي بفروعه الامازيغية والريفية والأهازيج ..هي أنماط غريبة عن جسم الموسيقى المغربية ولا تكمل خريطة الغناء في هذا البلد الشمال إفريقي .
فكيف إذن تشكلت الأغنية العصرية في المغرب ؟ وكيف انتقلت من القمة إلى أزمة مزمنة ساءت خلالها العلاقة بين جمهور مفترض “ومطرب حي” كان إلى وقت قريب جدا يطرب!
مشروع وزارة الثقافة المغربية في عهد الوزيرة الفنانة ثريا جبران بخلق
صندوق لدعم الأغنية المغربية أعاد من جديد موضوع هذه الأغنية ليوضع على طاولة التداول ويشكل أساس نقاش وجدال وطني تفنن خلاله كل الفاعلين في الموسيقى المغربية في بسط سقم هذه الأغنية ومحاولة البحث عن شفاء لسقمها المزمن
فأزمة الأغنية المغربية العصرية حسب أكثر من متدخل في المجال ليست
بالضرورة أزمة مخيال وإبداع أو أزمة أصوات أو كتاب كلمات أو عزف وتوزيع موسيقي بقدر ماهي أزمة إمكانات تتمثل في ضعف المتطلبات المادية لإنتاج الأغاني بدءا (بالكلمات إلى اللحن مرورا بالمطرب أو المطربة إلى التوزيع الموسيقي والعزف
والتداريب إلى الترويج للأغنية ….) وهي متطلبات أساسية لنجاح أي مشروع غنائي ،ينضاف إليها الجو العام المساعد على الخلق والإبداع والابتكار في منظومة لا تتجزأ بحيث يصبح معها ضعف المتطلبات المادية أحد أهم انفراط سلسلة مكونات الأغنية المغربية كما هو حاصل حاليا فالأجواق الإذاعية تم حلها وتفرقت السبل
بعناصرها والمهرجانات الوطنية لم تعد تغريها الأغنية المغربية العصرية والفنان المطرب همش في الوسائل السمعية البصرية وبالمقابل تم فتح الأجواءلأشكال موسيقية وغنائية “دخلية” نجوهما عناصر يعتبرها الفاعلون في المجال الغنائي المغربي من بين أهم عوامل تراجع مستوى الأغنية العصرية وانحسارها وتخبطها في
أزمتها التي طالت وستطول.
الزمن الجميل
“كاس البلار” “راحلة ” “قطار الحياة” “ياك اجرحي ” “سولت العود والناي””كان ياماكان” ” مغيارة” …..روائع غنائية مغربية أداها ولحنها وكتب كلماتها مبدعون مغاربة أبدعوا واثروا المخيال والروح والذاكرة المغربية لسنوات خلت ،.عبد النبي الجيراري أحمد الطيب لعلج عبد الوهاب الدكالي عبد الهادي بلخياط نعيمة سميح محمد الحياني لطيفة رأفت عبد العاطي امنا ..أسماء كبيرة لفنانين وفنانات شكلوا وشكلن الزمن الغنائي الجميل فيالأغنية المغربية العصرية ولا تزال أعمالهم يتغنى بها المغاربة صغاراوكبارا استحضارا لزمن مغربي باذخ حول المغرب قبلة لمشاهير الغناء العربي.
وفي كل حديث عن تاريخ الأغنية المغربية وأعلامها لابد وأن يوضع في
الاعتبار التأثير الكبير للمدارس الموسيقية العربية الشرقية على الموسيقى
المغربية وبشكل خاص المدرسة السورية واللبنانية ثم المدرسة المصرية التي كانت لها حصة الأسد في حجم التأثير على أجيال الموسيقى المغربية قبل الاستقلال وما بعده ما
أثمر أسماء كبرى أخرجت الموسيقى المغربية من المحلية إلى العالمية
(العربية ) وهي أسماء ضاهت في مرحلة ما أسماء فنية رفيعة من أمثال
الموسيقار محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأسطورة اللحن الشرقي بليغ حمدي ونقصد هنا الموسيقار المغربي الراحل أحمد البيضاوي أحد أمهر العازفين العرب على آلة العود والذي شهد له أعمدة الغناء العربي بالنبوغ ،فقد اختار الموسيقار أحمد البيضاوي المزداد عام 1918 بمدينة
الدارالبيضاء مبدع أغنية ” حبيبي تعالى” الرائعة اختار الصعب ونافس
جهابذة اللحن العربي وسجل اسمه بمداد من ذهب في خريطة عظماء الموسيقى العربية مشرفا بذلك الأغنية المغربية .
أزمة الأغنية
“أزمة الأغنية المغربية العصرية ” هذه الكلمات هي الأشهر بين الفاعلين في المجال الغنائي المغربي والأكثر تداولا ، ففي الوقت الذي يعيش المطربون والمطربات في المشرق العربي أوج جاحاتهم (الشهر والمال) لا يجد أهل الطربفي المغرب إلا الشكوى التحسر على مآلهم الموسيقي.
في قلب هذه الأزمة يوجد التلفزيون المغربي المتهم دائما بكونه تخلى عن
دعم الأغنية المغربية العصرية على حساب أشكال غنائية أخرى لا تخدم القيمة الجمالية والفنية للموسيقى المغربية ..الملحن والموسيقي المغربي شكيب العاصمي بقول في هذا الباب إن غياب شركات إنتاج فنية تغامر بإنتاج أعمال غنائية متميزة تغري التلفزيون من بين أسباب فشل العلاقة مابين الأغنية والتلفزات الوطنية
الملحن العاصمي يقول إن المغرب غني بالأصوات المتميزة وبكتاب الكلمات المشهود لهم وبالملحنين الكبار لكن تفضيل ” الأجنبي ” وإغراق التلفزيون بالأعمال الغنائية اللبنانية والمصرية والخليجية يساهم لا محالة في هجرة الجمهور المغربي لغنائهم المحلي
المطرب والعازف أنور حكيم له وجهة نظر أخرى فهو يرى أن أزمة الأغنية المغربية تعود بالأساس لأصحاب هذه الأغنية ، فالمعارك الفنية الجانبية بين المبدعين والفنانين من كتاب كلمات وملحنين ومطربين ومطربات هي من أوصلت الأغنية المغربية لحالها المزري يقول أنور حكيم المطرب حكيم المخضرم الذي عايش جيل الرواد تساءل بمرارة عن موقع الأغنية المغربية ومدى مساهمتها في ما يعرفه المشهد الفني المغربي من حراك (سينما، مسرح ، تشكيل ..) ومدى ترجمتها لواقع مغربي يحمل الكثير من مظاهر
التطور والتغيير الباحث والناقد الفني مصطفى عيش اعتبر انه من الصعب الحديث عن أزمةالأغنية المغربية ؟ فالأزمة حسب عيش هي تراجع بعد أداء جيد متسائلا هلكان للأغنية المغربية فيما سبق زمنها الجميل؟
الناقد الفني المتخصص دافع عن ألوان غنائية جديدة أزاحت الأشكال الغنائية القديمة ، وهي أشكال يضيف عيش لها جمهورها الذي يفتح لها الأحضان ومن حقها امتلاك الفرصة عوض إشراكها في أزمة غنائية مفترضة .
الأمين العام الراحل للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة الدكتور الشاعر مصطفى بغداد أنحى باللائمة على الإعلام المغربي الذي يحتقر الأغنية المغربية مشيرا إلى أن الأغنية المغربية موجودة ولها مكانتها في الوطن العربي مستدلا على ذلك بالجوائز التي تحصل عليها هذه الأغنية كلما شاركت في إي مهرجان غنائي عربي
فالأغنية المغربية حسب نقيب الموسيقيين المغاربة بخير لكنها ليست على ما يرام فهي لا تستفيد من دعم الدولة كما هو الحال بالنسبة للسينما والمسرح كما أنها لا تستفيد من الاهتمام الإعلامي .فالإذاعات المغربية حسب مصطفى بغداد تقود المستمع المغربي ليفقد هويته الفنية والثقافية من خلال الغزو الخطير للأغاني الشرقية وأغاني الهيب هوب يختم نقيب الموسيقيين
وعن القيمة الجمالية والفنية للأعمال الغنائية المغربية قال الملحن
والمغني محمد الزيات إن الملحن المغربي منفتح على جميع الأنماط الموسيقية وغير غارق في المحلية حين يتعلق الأمر بعمل غنائي لمطرب أو مطربة مغربية..الملحن الزيات اعتبر أن الفنان المغربي يشعر بالإحباط والانهيار بالنظر للكساد الذي تعرفه
الساحة الفنية ناهيك عن حقوقه المادية والمعنوية المهضومة وهي الحقوق
نفسها التي يجب أن تدفع النقابات الفنية لتحمل مسؤوليتها والتدخل لدى
المكتب المغربي لحقوق التأليف من أجل إعادة هيكلته ومراقبته
الجمهور /شركات الإنتاج
البعبع المخيف
شركات الإنتاج في المغرب البعبع المخيف الذي مافتئ أهل الغناء في المغرب يشتكون من شجع أصحاب هذه الشركات ويلقون باللائمة على الدولة التي لا تحمي أهل الفن في المغرب من خلال قوانين صارمة تحدد العلاقة بوضوح مابين المنتج والفنان
الفنانة الشابة نعمة خريجة برنامج “استديو دوزيم” لاكتشاف المواهب
الغنائية تتأسف لطريقة تعامل بعض شركات الإنتاج الفني مع الجيل الجديد من الفنانين (مطربين ومطربات) وتحكي تجربتها بمرارة فبعد أن دفعت أجرة كاتب الكلمات ومن بعده ملحن العمل وموزعه الموسيقي ومن بعدهما الجوق الموسيقي ستفاجئ بصاحب شركة الإنتاج يطلب منها دفع ثمن كراء استديو التسجيل وهو الأمر الذي أنهكها ماديا اعتبارا لأن الأخير يتقاضى أجرته نظير ساعاتالتسجيل …الفنانة نعمة وبعد الانتهاء من عملية التسجيل قدمت للمنتجالذي يفترض أن يدفع لها مقابل العمل تعويضا ماديا جزافيا ويقوم بتوزيعهمقابل نسبة مئوية في المبيعات تفاجئ بالمنتج يعيد إليها العمل بحجة ضعف الكلمات والألحان متعللا بالجمهور الذي يريد أعمالا غنائية بإيقاعات معينة
ميلود بركات صاحب شركة إنتاج يعتبر أن الإنتاج عملية مهمة في مسار
الأغنية المغربية وهو عمل أساسي لا يقل قيمة عن عمل كاتب الكلمات والملحن والمؤدي ، معتبرا أن أهم عائق يقف أمام المنتج هو تسويق الأغنية المغربية لان هامش ربحها قليل زائد غياب قنوات إذاعية وتلفزية متخصصة في الأغنية المغربية ناهيك عن القرصنة يضيف المنتج بركات التي تؤثر بشكل كبير على عملنا كمنتجين لمادة غنائية قد لا تجد جمهورا مخلصاحجة الجمهور هاته كانت ولا تزال تؤرق عموم المهتمين بالحقل الغنائي والموسيقي المغربي وان كان أن البعض في هذا الوسط مرتاح لهذا الجمهور ..من بين هؤلاء الفنان المغني البشير عبدو الذي يعتبر أن الجمهور المغربي أخلص للفنان المغربي وظل إلى جواره رغم جور ذوي القربى كما يقول.
المغني عبدو أكد على أن الأغنية المغربية جميلة وستبقى كذلك بأصالتها
وعمالقتها رواد الغناء المغربي الذين رحلوا وبأصواتها الجديدة المتألقة
في سماء الطرب
نفس الموقف يلتقي فيه الفنان عبدو مع نجمة الأغنية المغربية لطيفة رأفت التي تشكر الجمهور المغربي لأنه دعمها كي تتبوأ عرش الأغنية المغربية موضحة أن عدم هجرتها إلى المشرق تعني الشئ الكثير وهي السبيل لتشكر جمهورا مغربيا عظيما ساندها ويساند كل الفنانين المغاربة
لطيفة رأفت وجهت انتقادها للمسئولين عن المهرجانات والحفلات والذين
يفضلون أنماطا غنائية أخرى على حساب الأغنية المغربية في تنكر تام
للفنان المغربي الذي يتم احتقاره في بلده وبالمقابل يتم الاحتفاء
بالأجنبي .
تاريخ عريق
حسب أكثر من دارس لتاريخ الأغنية المغربية وبرغم قلة وندرة المصادر
والمراجع فان بداية الثلاثينيات من القرن الماضي كانت بداية تبلور ملامح الأغنية المغربية الحديثة (العصرية )
العارفون بالمجال لا يسقطون من الحسبان تأثير الموسيقى لأندلسية والغناء الشعبي على هذه الأغنية العصرية التي أخذت تدريجيا تتقرب من القصيدة الفصحى حتى اكتملت ملامحها دون أن تفقد خصوصيتها التي بفضلها اغتنت بإيقاعات وألحان متميزة .
كتاب “مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية ” للكاتب والباحث عبد العزيز بن عبد الجليل كتاب رصد الكثير من ملامح تفرد نشأة الأغنية المغربية ،فقدقسمها هذا الباحث المهتم إلى قسمين تمثل الأول في الموسيقى الشعبية كالملحون والعيطة والكناوي المرساوي والعلاوي والدقة المراكشية واحيدوش واحواش، وقسم آخر تمثل
في الموسيقى الأندلسية التي كانت مدخلا لموسيقى عصرية مغربية انتشرت في الحواضر وتملكت مناعة ميزتها لعقود طويلة.. قبل أن تزل قدماها في انتظار “قومة” جديدة تعيد الاعتبار للأغنية المغربية