الثلاثاء , 1 أبريل 2025
Screenshot

ضحك لا يشبه الضحك في شيء

إسماعيل بوقاسم


تحضرني وأنا أتتبع مشهدنا التلفزيوني الرمضاني لهذا العام، مقولة الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي وهو يسخر من زمانه، حيث قال “ضحك كالبكاء”، لأننا فعلا نعيش هذا الموسم كما الذي قبله والذين سبقوه بأعوام، مع برمجة تلفزيوننا المحترم (ضحكا كالبكاء)، ضحك لا يشبه الضحك في شيء، ضحك يبعث على السخرية منه، ضحك لا لون ولا رائحة ولا طعم له، ضحك ينعدم فيه حس الفكاهة ودعابة النكتة، فهو أقرب بمجانيته وبلادته إلى الضحك على الذقون منه إلى إثارة الضحك والترفيه، هو فعلا ضحكُ تلفزة ضحكت من جهلها أفواج المشاهدين المغاربة، ضحك يفتقر إلى مادة “الغاز الضاحك” التي تتسلل إلى نفسية المتلقي وتسبب له الشعور بالنشوة والبهجة التي تؤدي إلى الضحك.
برمجة قنواتنا التلفزية إياها، تدفعنا نحن معشر المغاربة إلى رفع السؤال عاليا حول ما يقدم راهنيا من سلسلات ترفيهية يُراد بها إثارة الضحك ورفع منسوب التسلية في نفوس الصائمين.. هل المغرب يعيش أزمة كوميديا.؟ وهل يحق لنا أن نُرجع أسباب انحدار قيمة المنتوج الكوميدي، إلى قلة حيلة الكوميديين المغاربة في إبداع لون ساخر جدير بإثارة ضحك المغاربة.؟ أم مرد هذا التراجع المُهول على سلم التسلية إلى فشل المسؤولين عن قطاعنا التلفزي، في تدبير الدورة الإنتاجية بما تستحقه من الاهتمام والمسؤولية، وإلى تقصيرهم في القيام بواجبهم المهني، وانخفاض درجات الحس الوطني في نفوسهم.؟
للأسف، إن ما تقدمه قنواتنا الرسمية على موائد إفطارنا من سلسلات ترفيهية على أساس أنها إنتاجات كوميديا، لا يحترم ذكاءنا ولا يراعي مشاعر المغاربة الذين تخصم من جيوبهم أقساط تمويل هذه التلفزات العمومية، قدر مراعاتها لمشاعر المستشهرين الذين يتحكمون في تدوير برمجتها بحسب هواهم ومصالحهم الإشهارية والتجارية، وهذا التقصير في القيام بالواجب المهني تجاه المُمولين الحقيقيين للقنوات الرسمية “حتى لا أقول الوطنية” مناف للأخلاق وللواقع، وهو الاستخفاف الذي أدى بالتلفزة إلى تحطيم أرقام قياسية في إشاعة الرداءة والتفاهة، وحول ضحكها إلى تهريج يكرس النمطية واستنساخ نفس الوجوه والشركات والمواضيع أيضا، وكتم عن سبق إصرار وترصد أنفاس الفعل الكوميدي بالمغرب.
لذلك، فنحن في بلاد المغرب لا نعيش أزمة كوميديا، إنما نعيش أزمة إدارة تلفزيون، هذا الأخير تحول بقدرة قادر إلى شركة (غير مُواطنة) تلهث وراء الربح وتكديس الثروات من تحث عباءة المستشهرين، ضاربة بعرض الحائط دورها الرئيسي كقناة عمومية في تهذيب الذوق العام وتعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتقديم محتوى هادف ومفيد، يساهم في تنمية الوعي الثقافي والاجتماعي لدى المشاهدين، علما أنها تحصد أموالا تناطح السحاب من جيوب دافعي الضرائب…
علاوة على أن هذه الأمة بتاريخها الضارب في عُمق الزمن، ليست عقيمة ولا تنقصها كتابات أو فنانون ومبدعون أكفاء، تاريخها حافل بما يستحق الكتابة بدءا من حكم الأدارسة وما قبلهم والمرابطين والموحدين والمرينيين و..و..وصولا إلى الدولة العلوية الشريفة، لذلك فإن الأمر تنقصه فقط “إرادة سياسية”، ترفع الحصار عن تفكير المبدع المغربي، وتحاسب في المقابل تلك الزمرة التي تدفع في اتجاه “التكوير” و”التهريج” وتمرير الإنتاجات الخاوية على عروشها، وتجتهد لإسقاط المجهود الإبداعي الحقيقي في الوحل، وتتفنن في وضع علامات قف وإشارات المنع أمام نقط الضوء والبقع البيضاء التي تعج بها الساحة الفنية المغربية، وأن تباشر هذه “الإرادة السياسية” مهامها بتشجيع النوايا الحسنة على تحويل روايات أدبائنا المغاربة إلى أعمال تلفزية ضخمة، ونصوصنا الأدبية إلى أفلام أو مسلسلات مشوقة، وتحويل قصص القصاصين المغاربة إلى مواد تلفزيونية رائعة..
للأسف الشديد، إن انتهازية بعض المسؤولين وجشع المستشهرين وتآمر أغلب المنتجين المنفذين لبرامج تلفزاتنا المحترمة، وسعيهم وراء الاغتناء السريع من الدعم العمومي، ساهم في تمرير كثير من المسخ التلفزيوني، على أساس أنه “كوميديا”، معتمدين بذلك سياسة الهروب إلى الأمام، أي الهروب إلى مساحات خارج الإبداع.

شاهد أيضاً

الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي

فاز الناقد المغربي، عبدالله الشيخ بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي ( المركز الأول) عن بحثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *