اسماعيل بوقاسم :
مُباشرةً بعد تعميم وزارة الثقافة والإتصال، بلاغَها الثاني الذي قدَّمت من خلاله تقْويمًا جديدا لمبالغ الدعم المسرحي التي جاءت في بلاغها الأوَّل، والتي خلفت ردودَ فعل مُتباينة داخل أوساط الفاعلين في القطاع، وهي التَّبايُنات التي اسْتاءتْ مُعظمُها من زَيْغِ لجنة التحكيم عن سِكَّة كـُنَّاش التحملات، وخرقها البَيِّنْ للقوانين التي تُؤطر عملية التحكيم بين المشاريع المُتنافسة، وعدم احترامها للمقاصد الكبرى للقرار المُشترك بين وزارتي الثقافة والمالية، لكنها “أي التبايُنات” تقاطعت جميعها حول هزالة المبالغ التي قوَّمَتْ بها لجنة الدعم المسرحي لهذا العام، الكُلفة المالية للمشاريع المسرحية المتنافسة على الإستفاذة من الدعم العمومي لسنة 2019.
البلاغُ الثاني، يتضمَّن تلميحًا يَحْملُ بين ثناياهُ توضيحًا، على أن اللجنة المُحترمة لو كانت تقدمت بمُلتمسٍ لرفعِ قيمةِ المبالغ المالية قبل إعلان نتائجها الأولى، لتلقاهُ معالي الوزير بصدرٍ رحبٍ وفتح خزائن سُليْمان، ولتَدفَّقت خَوَابِي الوَزارة، وجادت بسُيولة تُقارب 4 ملايين درهم أخرى، تُعفيها من تقديم ذات المُلتمس (…). وهيَ رسالة مُشفرةٌ يُحَمِّلُ من خلالها البلاغ لجنة الدعم المسرحي، مَسْؤولية توزيعها لمَبالغ غيرُ مُحترمة على الفرق الناجحة في امتحاناتها، وتخيبها لآمال المسرحيين في نتائجها الأولى، وأن الوزارة الوصية بَريئةً من دمِ جميع الفُرقِ المسرحيةِ المُتنافسة.
في نفس السياق، فإن البلاغَ إيَّاهُ، تفيدُ صِيّاغتهُ الرَّسمية، بحسبِ مُهندسيه، وبنفسِ الحَماس، إن السيد الوزير قد تفاعل مع (الحركة النضالية) التي قامتْ بها لجنةُ الدعم عبرَ تقديمها مُلتمس الرفع من مبلغ الدعم، وتأسيسا عليه رَفع قيمةَ السقفِ المالي المُخصص للدعم المسرحي..وهي إشارة مُباشرة تَنُمُّ عن “ضرب من تحت الحزام” لجميع التدخلات والبيانات والبلاغات التي قام بها إطارين تمثيليين بالقطاع المسرحي، وكذا استنكارات الفرق المستفيدة منها وغير المستفيدة.
علما، إن المُجريات الحقيقية للأحداث، كانت عكسَ ما جاءتْ به صيَّاغة بلاغ 24 ماي الجاري، حيث أنه مُباشرة بعد الإعلان المَشْؤوم لنتائج 07 ماي الجاري، ارتفعت وعلى غير العَادة، مَوْجةً من البيانات والانتقادات والاحتجاجات، استهلت بردَّات فعلٍ قوية لهيْئتين تمثيليتين بقطاع المسرح (النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية والفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة)، مُرورا بانتفاضة كثيرٍ من الفرق المسرحية المُحترفة والجَادَّة، التي وجدتْ مشاريعها خارج نتائج الدعم، وُصولا إلى البيانات الاحتجاجية للفرق المُستفيدة في مَجال التوطين، إضافة إلى الانتقادات التي وُجهت لقرارات اللجنة من قِبَل نُخبة من الفاعلين المسرحيين بالقطاع والمُهتمين والإِعلاميين.
للتاريخ، يُمْكِنُ القولُ إنها أول لجنة تَمكَّنت أكثر من غيْرها، منذُ انطلاق عدَّادِ الدعم المسرحي 1998 إلى الآن… من تأجيج مَوجةٍ من الإنتقادات والمُؤاخذات، دَارتْ رحاها على كثيرٍ من المنابرِ الإعلامية ومواقع التواصل الإحتماعي وشبكات الإنترنيت، واجتماعات مَارطونية للفرق المُستفيدة وغير المستفيدة مع إطاراتها التمثيلية، إضافة إلى اجتماع طارئ للسيد الوزير مع الإطارين التمثيليين للمسرحيين (النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية و الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة)، حول نتائج تحكيم اللجنة في شِقيْها المالي والقانوني … كلُّها أحداثً ومَعاركَ تجاوزَ عنْها بلاغ الوزارة، فيما يُشبهُ (حجْبَ الشمسِ بعينِ غِربالْ)…
للأسف، غيَّب مُهندِسُو بَلاغ الوزارة لـ 24 ماي الجاري، كل هذه العناصر المُؤثِّرة في هذا الحَراكِ النِّضاليِ، من مُنظمات تمثيلية، وفُرقٍ مَسرحية مُستفيدة وغير مُستفيدة….وتبنَّوا في المُقابل ورُبَّما عنْ قصدٍ تعميمَ توضيحٍ باسم اللجنة مَفادهُ: (إن المشاريع غير المستفيدة لا ترقى إلى مستوى الأعمال المُدعمة في إطار المُفاضلة والمُقارنة والتَّنافسية)، علما أن مُعطيات كثيرةً تناقلتْها وسائِطُ التواصلِ الإجتماعي وشبكات الإنترنيت، فضحتْ سيلاً من التَّجاوُزات القانونية والفنية والتقديرية، شابَتْ جميع قرارات لجنة الدعم المسرحي لهذا العام، وُصولاً إلى نتائجها المَشْئُومة.. بما يعني (إن العيْبَ يَكمُنُ في مُكوِّنات اللجنة، وليسَ في القيمِ الفنيةِ والجَمالية للمشاريع المرفوعة على مَوائِد الوزارة).
تجدر الإشارة، إنه من نتائج المَعارِك النضالية التي حركتْها المُنظَّمتين التمثليتين بالقطاع، وبعضُ الفرقِ المسرحية المُستفيدة وغير المُستفيدة من نتائج دعمِ هذا العام، وثـُلةً من المسرحيين الغيُورين على المشهد المسرحي الوَطني، كان لهُ الأثر كقُوة ضاغطةٍ أثرتْ بشكلٍ مُباشرٍ على القائمين على تدبير شأننا الثقافي، للرفع من سقفِ الدعم المسرحي لهذا المَوسم، ليتحول المبلغ الإجمالي من 11 مليون درهم إلى 15 مليون درهم، كما كان في العهد السابق.
أما مُلتمس لجنة الدعم المسرحي، فإنه لمْ وَ لنْ يُشكل أي قوة ضغط، ولا يُخلفُ أَيَّ أثرٍ على الساحة المسرحية لا من بعيد أو قريب، ولنْ يُؤثِّر ولوْ على سبيل المِزاحِ، في قرارٍ مُهمٍّ من حَجمِ الزيادة في المبالغ المالية للدعم المسرحي..
هنيئا للفرق التي أهَّلها استحقاق مَشاريعها للإستفاذة من الدَّعم أولاً ومن رفع قيمتهِ ثانيا، وقلوبُنا مع الفرق المسرحية المُحترفة والجادة التي وجدتْ نفسها خارج نتائج الدعم المسرحي، بفعلِ تحكيمٍ غيرَ ديمقراطي، لا يحترمُ مسؤوليتهُ، وما يَزالُ مُسلسل مَعركة الانتصار للحقيقة، مُستمرا في مُواجهة المُهندسين المُتحكمين في دَواوينِ الوزارةِ، وكلِّ الوُصوليين والانتهازيين والمٌرتزقة منْ عشيرةِ المَسرحيين أنفُسهم …