إسماعيل بوقاسم
ارتبطت أسباب نزول اليوم الوطني للمسرح، باستحضار المسرحيين المغاربة لتدخل الملك الراحل الحسن الثاني لتغيير ملامح الحياة المسرحية بالمملكة، عبر رسالته الموجهة بتاريخ 14 ماي 1992 للمناظرة الوطنية الأولى حول المسرح الاحترافي.
إحياء هذا اليوم، يتضمن تلميحا لتقصير الدولة المغربية في ترجمة مضامين الرسالة وعدم الوفاء للرغبة الملكية في حفظ ماء وجه المسرح المغربي، فأصبح الاحتفال بهذه المناسبة، يشكل عنوانا بارزا للصراع بين المسرح والدولة.
المسرحيون، قرروه يوما للوقوف على نسب تطور القيم الفنية والجمالية على سلاليم فن الخشبة، ومناسبة لقياس منسوب التزام الدولة المغربية بتنزيل الرغبة الملكية على خشبة الواقع المسرحي.
الدولة، عبر جهازها الوصي على المسرح “وزارة الثقافة”، ظلت على امتداد سبعة عشرة عاما، تروم سياسة التسويف، تفتعل الزوابع، تجتهد لدر الرماد في عيون الحركة المسرحية، وبعد تردد دام ستة سنوات، شرعت عام 1998 في تقديم الدعم العمومي للمسرحيين، كمدخل فسرته من جانبها وسيلة للتحكم في أزرار القطاع المسرحي وتدجين الفاعلين فيه..
منذ انطلاق عداد الدعم المسرحي، والوزراء المتعاقبون يبصمونه بتلاوين سياسية تخدم أجنداتهم الحزبية والإيديولوجية، وفق أمزجة ومستويات اتساع مساحات تدخل المهندسين ممن يسبحون في دواوينهم..
وسط زوبعة أمزجة الوزراء، وتحكُم من يدورون في فلكهم والتابعين لهم، تعثرت ترجمة مضامين الرسالة الحسنية، وطارت مقاصد الرغبة الملكية أدراج الرياح، وتبخرت أحلام فرسان الخشبة، فتوزع دم المسرحيين بين قبائل المسؤولين المتعاقبين، وانتصرت سياسة الهدم التي طالت أبراج المسرح المغربي، تارة على يد المسؤولين و أخريات بمعاول الانتهازيين والمرتزقة والمتواطئين من قبيلة المسرحيين أنفسهم …
بعد شوط من الزمن المسرحي بالمملكة، ارتفعت بعض الأصوات من داخل البيت المسرحي، تطالب الدولة بالرفع من مستوى المنسوب القانوني على سلاليم الممارسة المسرحية بالبلاد، وفتح مداخل حقيقية لتنظيم أركان القطاع، مُعلنة رفضها استمرار الحياة بين دروب فنون الجمال، لنزوات حاملي الحقائب الوزارية وشطحاتهم السياسية، وهلوسات المتحكمين في أزرار الدواوين، وزيغ كثير من مكونات لجان الدعم المسرحي عن سكة اليقين وتدحرجها على عقبات الشياطين.
مُطالبة المسرحيين بتعزيز مكتسباتهم المشروعة وتحصينها من مزاجية السياسيين، حركت شهية المتحكمين في دواليب قطاع أبي الفنون، إلى تجييش خدامهم من الأشباه والدخلاء والمرتزقة المنتشرين بأزقة القطاع المسرحي، للتشويش على المطالب المشروعة لمعشر المسرحيين، والالتفاف على مصير قضاياهم الجوهرية.
الوضع المسرحي المغربي، يعيش في الوقت الراهن حالة من الارتباك، جراء انزياح فئة واسعة من المنتمين إليه للدفاع عن الباطل بالباطل، بتأييدهم كفة أولياء نعمتهم من المتحكمين في تدبير شؤون القطاع.
فهل يحق لقبيلة المسرحيين المغاربة، وهي تتأرجح بين مطالبين بتنظيم دواليب القطاع وتصحيح الأوضاع، والقطع مع منطق الريع، ومدافعين عن استمرار الوضع على ما هو عليه، أن تحتفل باليوم الوطني للمسرح (14 ماي) ..؟
هل يحق لها أن تحتفل، وثلة من بينها، ترفع بيانات الاستنكار حول نتائج موسم مسرحي يهدد أقواتها..؟
هل يحق لها أن تحتفل، وقطيع من المتمسرحيين يزكي ويرسخ سبل الانتهازية داخل المسرح المغربي…؟
هل يحق لها أن تحتفل، وأجندة مواسمها المسرحية، تتحكم فيها أمزجة مهندسي دواوين الوزير…؟
لذلك يحق لنا القول، إن (14 ماي) هي مناسبة للاحتجاج وليس الاحتفال….؟