الإثنين , 13 يناير 2025
الرئيسية » الرئيسية » رقصة أحيدوس : طقوس جماعية لإعادة الشمس من موطن غروبها

رقصة أحيدوس : طقوس جماعية لإعادة الشمس من موطن غروبها

“أحيدوس” كلمة أمازيغية تعني الرقصة الجماعية المتميزة بخفة الحركة
والسرعة وتمتد هده الرقصة الجماعية الفلكلورية من الجنوب الشرقي للمملكة
إلى الشمال الغربي وتنتشر أساسا في جبال الأطلس المتوسط حيث الطبيعة
الغناء وحيث تكتمل العناصر الأساسية لرقصة أحيدوس ..وهي الشعر والغناء
والرقص والإيقاع
وقد  ارتبط فن أحيدوس بوسطه الطبيعي و الجغرافي لإنسان  الأطلس المشبع
بالمياه والأعراس والجبال والمنتجعات الغنية بالخضرة والمنابع ،وحافظ هدا
الفن الذي ظهر منذ قرون على طريقته وإيقاعاته وشكله الدائري والذي قوامه
النساء والرجال على حد سواء تعبيرا عن الفرحات الجماعية التي تواكب إحياء
الإنسان لحياته الجبلية والزراعية في سهول وتخوم المتوسط
ويعتبر “البندير” أو الدف الآلة أو الأداة الموسيقية الوحيدة المستعملة
في الإيقاع وترافقه بالضرب على الأيدي فرق نسائية ورجالية في شكل دائري
متماسك قوامه الأكتاف وتارة الأيدي ، ويصمم الرقصات رئيس الفرقة (المقدم)
في لوحات متناسقة موسيقيا وحركيا بالقدر الذي يمكنه من التحكم في حركات
وصرخات أزيد من خمسين فردا من رجال ونساء تستثنى منهن وبصفة خاصة النساء
المتزوجات .
وتعتمد هذه الرقصة الجماعية على خفة الحركة والدوران السريع والتنقل
بسرعة فائقة وتعتمد بالأساس على النداء والإيقاع
فالنداء   هو ارتجال غنائي منفرد يسمى “تماويت” ويكون في مقام الصبا
غالبا ويؤديه مغني ذو صوت قوي وحاد
أما الإيقاع فهو  إيقاع معتدل السرعة يمكن تقليصه إلى النصف في بعض
المناطق الأخرى ويتكون من خمس عناصر أولهما إيقاع شبيه بإيقاع طائفة
حمادشة (مغربي تراثي) ثم إيقاع خماسي مقلص إلى زمنين ونصف الزمن شبيه
بالكباحي في الملحون ، وأخيرا إيقاعات ثنائية ورباعية وهي الأكثر
استعمالا في الموسيقى الشعبية المغربية .
أما بخصوص مقامات أحيدوس فيمكن أن نصادف أنغاما تستمد تركيبتها من مقامات
شرقية كالصبا والبياتي لكن استعمالها في الموسيقى الامازيغية يعطيها
طابعا محليا خاصا.
هذه الخصوصية يفسرها أكثر الباحث في فن أحيدوس الحسين الدمامي حين يوضح
انه لا يمكن الحديث عن احيدوس بنمط واحد مشيرا إلى أن هدا الفن يختلف من
قبيلة إلى أخرى وداخل نفس القبيلة يتم التمييز بين عدة أنواع من أحيدوس ،
معتبرا أن محور دوران رقصة أحيدوس هو نفس محور دوران الكرة الأرضية أي من
جهة الشرق حيث تنبعث الشمس من موطن غروبها مضيفا أن الدليل الميداني على
ذلك هو أن رقصة أحيدوس تتم ليلا وتنتهي مع بزوغ الفجر حيث نجمة الصباح
تؤذن بعودة الشمس من رحلة الغروب من جديد وذلك ما يضفي طابعا رمزيا على
مسار الرقصة التي تتحرك من جهة اليمين جهة اليمن والعطاء يختم الباحث
دمامي الحسين.
رمزية أيضا يستحضرها الشاعر الامازيغي والباحث ميلود الحور في أشعار رقصة
أحيدوس مشيرا إلى أن مضمون هده الأشعار لايخلو من السخرية مع التركيز على
تجنب الخطابة وكأن الناظم يوضح ميلود الحور يمتحن قدرة الخصم المفترض على
الفهم وفي نفس الوقت يضلل الكلمات حتى لاينعكس مفعولها السحري ضده طالما
أن المرقص هو مكان “حرم” مما يعرض خارق طقوسه إلى الإصابة باللعنة.

أحيدوس والشعر

رقصة أحيدوس هي أيضا مجال للتنافس الشعري بين “نظام” الكلام الذين يعكسون
العلاقات الاجتماعية المحكومة بالتوتر والمنافسة ، بمعنى يوضح أحد شيوخ
أحيدوس أن الرقصة مجال لتمرير التنافس حيث تصبح الكلمة أداة لفرض الهيبة
أو تحصيل الجاه …
شرارة التنافس بين “الناظمين” في الرقصة تخف حدتها كلما قربت الرقصة على
الانتهاء وغالبا ماتنتهي بأشعار طلب الغفران والمسامحة وكأن الرقصة مثل
الحكاية (تبدأ بطقس صعب وتنتهي النهاية السعيدة )
فرقصة احيدوس في الأصل كما يعتقد العديد من الدارسين لهذا الفن هي مناسبة
للتطهير ولتفريغ العدوانية بنوع من التسامي الشعري الذي يبقى دون غيره من
طرق الخطاب القابل للتأويل خاصة حين يؤخذ القول الشعري في رقصة احيدوس
كعلامات للتفاؤل ولتحصيل البركة والأمل وطلب الخير وأداة لقراءة الطالع
أو تعجيل الفرح

شاهد أيضاً

أكاديمية المملكة المغربية تعلن عن اطلاق “انطولوجيا: من عيون دواوين الملحون”

أعلنت أكاديمية المملكة المغربية عن إطلاق “انطولوجيا: من عيون دواوين الملحون”، مساء أمس الثلاثاء، عن …