… وتمر 31 سنة على رحيل الفنانة العربية الكبير علية التونسية ، لنسجل دائما وبكل الأسى والأسف غياب الإعلام العربي عن المواكبة والتوثيق ، لنؤكد على أن امة بدون إعلام يمكن اعتبارها امة بدون ذاكرة ، ولأشير هنا ، كما أشرت في العديد من المناسبات والملتقيات إلى خطورة اهتمام الإعلام العربي بشكل عام ، خصوصا منه السمعي والمرئي ، بالفقاقيع وبالتفاهات والكليبات السخيفة شكلا ومضمونا ، ومن المؤسف حقا أن يتنازل الإعلام عن دوره الرائد في دعم الإبداع الغنائي والموسيقي العربي بشكل عام ، ليتحول ( هدا الإعلام ) إلى وسائل لتلميع ( القردة والمتسلطين ) ، وتقديمهم للجماهير بالمساحيق والألوان على أنهم فنانين وفنانات ومطربين ومطربات ، وأؤكد لكم أن الواحد أو الواحدة من هؤلاء الببغاوات لا يعرفون ولا تعرفن حتى المقام الموسيقي الذي تعزف عليه الفرقة الموسيقية لهم أو لهن ليتصايحن فوق المنصات ، والإعلام الرخيص يتابعهم ويتبعهن بالمواكبة ( على قد الحلاوة والهدايا ) ، مؤسف جدا هذا الوضع ، وهو وضع نعيشه عربيا أيضا ، ويندرج فيه ، إلى جانب الإساءة إلى جوهر الإبداع العربي : نظما ولحنا وغناء ) ، الإساءة إلى المبدعين الاصلاء أنفسهم ، ووسط هده الفوضى المفتعلة التي تشهدها الساحة الغنائية العربية ، قد ضاعت القيم واهضمت حقوق مادية ومعنوية للفنانين الحقيقيين الذين أعطوا كل شئ ولم ياخذوا اقل حق من حقوقهم المعنوية ، فأحرى أن يحظوا بالحصول على حقوقهم المادية كاملة ، وفي هذا الاتجاه ، وأنا اقلب أوراقي ، أقف مع فنانة عربية كبيرة علية التونسية ، الصوت الغنائي القوي الذي يحمل السحر والعبق ، حتى الاداعات العربية لم تعد تهتم بتقديم أغنيات هده الشامخة في أدائها ، الطيبة والنبيلة في شخصيتها.
الفنانة علية التونسية ، هي من مواليد عام 1936 بتونس ، وتنحدر أصلا من المغرب الأقصى ( منطقة سيدي رحال ) لذلك فاسمها الحقيقي هو ( بية بنت البشير بن الهادي رحال ) ، عشقت فن الموسيقى والغناء وهي بعد طفلة صغيرة ، ثم بدأت بعد ذلك تغني في الحفلات المدرسية ، ليكتشفها ذات يوم الملحن التونسي رضى القلعي ،فقدم لها لحن أول أغنية لها بعنوان ( ظلموني حبايبي ) ، ثم قدم لها نفس الملحن الأغنية الثانية بعنوان ( ياقلبي ايش بكاك ؟؟ ) ،كما يعتبر الفنان صالح المهدي مكتشفها الثاني الذي مهد لها الطريق للدخول إلى عالم الغناء والموسيقى ، وهو الذي أطلق عليها اسم ( علية ) نسبة لأخت الخليفة ( هارون الرشيد ) ، لتصبح المطربة علية من أشهر المطربات في تونس خلال فترتي الخمسينات والستينات ، وفي العام 1957 التحقت الفنانة علية بالاذاعة التونسية لتصبح مطربة معتمدة بها .
وفي العام 1968 زارت سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم تونس ، فغنت أمامها الفنانة علية مقطعا من قصيدة ( الأطلال ) ، فأعجبت بها السيدة أم كلثوم ، وشجعتها على الهجرة إلى القاهرة ، وبالفعل زارت علية القاهرة ، لتتألق بمشاركتها في مهرجان الغناء العربي حيث غنت لأول مرة مع فرقة الموسيقى العربية بقيادة المايسترو عبد الحليم نويرة . وللإشارة،فقد درست علية الموسيقى في تونس دراسة أكاديمية ، وقد ساعدتها دراستها الموسيقية على صقل موهبتها و شق طريقها في مجالها الإبداعي .
قامت الفنانة علية بالعديد من الجولات الفنية في العديد من دول العالم العربي ،وعندما زارت المملكة المغربية حظيت بتقدير من شعبها العظيم ، وتعرفت إلى الموسيقار المغربي الكبير الاستاذ احمد البيضاوي الذي غنت من تلاحينه الرائعة قصيدة ابن زيدون ( أضحى التنائي بديلا من تدانينا ) ،كما غنت في شعر ايليا أبي ماضي قصيدة ( أنا من أنا ؟ ) في تلحين الموسيقار المغربي الكبير الاستاذ محمد بنعبد السلام ،هذا الأخير الذي قدم لها أيضا لحنا آخر لأغنية وطنية مغربية تتغنى بأمجاد المغرب ، بعد ذلك انتقلت السيدة علية إلى لبنان لتعيش فيه لمدة سنتين ، ثم انتقلت إلى دولة الكويت ، لتستقر بعد ذلك في القطر المصري الشقيق ،حيث قضت بمصر فترة طويلة استطاعت خلالها أن تتعرف إلى كبار أقطاب الغناء العربي ، وفي العام 1981 تزوجت السيدة علية من الملحن المصري الشهير الاستاذ حلمي بكر ، فقدم لها من أروع ألحانه باقة من اخلد أغنياتها ومنها :(ع اللي جرى لما تيجي وأنا احكي لك ) ، ومن أشهر أغنياتها الوطنية رائعتها التي نحفظها جميعا ( حبايب مصر ) في تأليف الشاعر الغنائي الاستاذ مصطفى الضمراني ولحن المبدع حلمي بكر ، كما غنت السيدة علية أيضا باقة جميلة من تلاحين الموسيقار الكبير الاستاذ بليغ حمدي منها أغنية ( ابكي والناس سامعة ) ،ووفاء لروح سيدة الغناء العربي التي شجعتها على السفر إلى مصر ، وامتنانا منها للسيدة أم كلثوم ، غنت السيدة علية بعد رحيل السيدة أم كلثوم إلى دار البقاء قصيدة بعنوان ( قيثارة النغم ) في تأليف الشاعر الغنائي الكبير الاستاذ احمد رامي وتلحين الملحن العبقري الاستاذ محمد الموجي .
وفي عام 1990 ترحل السيدة علية إلى دار البقاء بعد عمر حافل بالعطاء الفني المتجدد ، وعمرها لم يتجاوز الثالثة والخمسين سنة ، بعدما أسهمت في إثراء خزانة الغناء العربي بأروع الروائع الغنائية الخالدة حتى اليوم في الذاكرة العربية ، لنسجل بعد رحيلها بان العمالقة لا يمكن أن نجد لهم بديلا ، ولا يمكن بأية حال أن يكون لهم خليفة في البذل والتميز والعطاء .
بقلم: الاعلامي احمد رمزي الغضبان