تعود قصتها نشأتها إلى 30 ماي 1953 وليس 1950 كما يشاع، وذلك حينما وقع الحسني شلبي (“فرنسي” من أصل جزائري) وشارل دوهيري (Charles Duhere) عقد شركة مدنية بينهما، تحت اسم الشركة العقارية لسينما كريان سنطرال Société Immobilière du Cinéma des Carrières Centrales، حيث حدد مبلغ رأس مالها في 200.000 ف وتم الإكتتاب بالتساوي في ما بينهما، في حين حدد غرضها التجاري الأساسي في شراء أرض بكريان سنطرال، مساحتها 2.150 م.
مباشرة بعد تأسيس هذه الشركة وقعت بتاريخ 2 يونيو 1953 بالدار البيضاء وفي 10 يونيو 1953 بالرباط عقدا مع الدولة، تحوز بموجبه على قطعة أرضية تابعة للأملاك المخزنية، تم اقتطاعها من أرض “Cité Ouvrière État” بمقابل مالي قدره 000 3.225 ف، حيث إلتزمت الشركة بالإنتهاء من بناء قاعة السينما في أجل لا يتعدى سنتين بعد حيازة الأرض، بمبلغ مالي قدره 10.000. 000 ف تحتوي عددا من الكراسي ما بني 600 و1.000.
بعدها سيبرم الشريكان، في 15 مارس 1954، عقدا آخر، لتأسيس شركة محدودة المسؤولية في كريان سنطرال، تحت اسم “شركة سينما السعادة” «Société du Cinéma Saada»، التي تختلف عن الأخرى من الناحية الرسمية، إلا فيما يتعلق بغرضها التجاري في استغلال مقاولات العروض السينمائية والفنية وكل ما له علاقة بها بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
أول فيلم سيتم عرضه كان تحت عنوان ظهور الإسلام، ويحكي علي حبشي “الأعور” أحد الأوائل ممن اشتغلوا بسينما السعادة: تكلف ببنائها سنة 1953 «لمعلم بوعزة»، أحد كبار المعلمين في مجال البناء بحي كريان سنطرال، وجهزها مالكها الحسني شلبي ب 1.008 كرسي، وقد كان با جيلالي هو أول “شاف” على العمال، والذي كنت أعرفه قبل ذلك بسينما باهية.
أما الذين اشتغلوا معنا فهناك الرباطي الذي كان يعمل بسينما الكواكب، حيث كان مكلفا بإدارة آلة عرض الأفلام opérateur، قبل أن يخلفه عبد الرزاق، وهناك لحسن حايدو التدلاوي الذي كان مكلفا بالصندوق caissier، إضافة إلى محمد ولد العساس وأحمد ممدوح وامبارك ولد الشلحة وأحمد «دوبو» ومسعود فوداد وعلي الطويل وبوجمعة السيكليس (البواب) وعبد الرحمان وغيرهم ممن نسيت أسمائهم.
أذكر أني كنت أتكلف بالبحث عن الأفلام واختيارها وكرائها من الشركات الموجودة بالمدينة كل خميس، وغالبا ما كنت أنتظر حتى يبخس ثمن الكراء بعد عرضها في قاعات الدار البيضاء وكبريات المدن، كما كنت مكلفا بالإعلانات عن طريق الملصقات على بعض المواقع (البلوكات والكريانات وسوسيكا.)، إضافة إلى حمل سبورة الملصقات (tableau) على ظهري والتنقل بها عبر أزقة الحي وشوارعه مقابل 8 دراهم يوميا.
كان ثمن تذكرة الدخول آنداك 16 ريال في البداية ثم أصبح 24 ريال. أما التلاميذ فقد حددت لهم أسعار مخفضة خاصة بهم، كما كان من المعتاد حضور الأزواج برفقة زوجاتهم لمشاهدة الافلام في إطار تام من الإحترام، وخاصة الأفلام المصرية. إضافة إلى أن القاعة كانت تشهد بين الفينة والأخرى تجمعات لحزب الإستقلال والإتحاد الوطني. يحضرها الكثير من الشخصيات البارزة في تلك الفترة. إنتهى
تلكم الحكاية التي نقلها الأستاذ تقي نجيب عن علي حبشي، عن سينما السعادة التي كانت تعتبر أحد أشهر القاعات السينمائية بحي المحمدي قبل أن ابتلعها الزمن، والتي ساهمت في انتعاش الحركة الثقافية والفنية والسياسية في الحي، حيث كانت تلعب دورا مكملا لدار الشباب، واختصت في عرض الأفلام العالمية الراقية جدا، إلى درجة أن شريحة من أبناء الحي في ذلك الوقت، كانوا يجيدون اللغة الهندية حتى دون فهم معناها، إضافة إلى أفلام عربية وأجنبية.
كانت سينما السعادة تستقبل أفراد الأسرة وفق طقوس خاصة، وتستغل قاعتها أحيانا لممارسة المصارعة اليونانية، وتقام بها سهرات فنية لأشهر المطربين، كأحمد البيضاوي، وعروض مسرحية للبدوي والطيب الصديقي. كما كانت لها وظائف سياسية، حيث كانت تستغلها الأحزاب السياسة في تنظيم المهرجانات الخطابية. القاعة مازالت مغلقة كغيرها، في ظل غياب أي استراتيجية لإعادة تأهيل القاعات السينمائية المصنفة، التي تجسد قيمة فنية وثقافية وتاريخية من العار ان تتعرض للإهمال والنسيان.
#الدارالبيضاء_القديمة_بين_الماضي_والحاضر