الجمعة , 29 مارس 2024
الرئيسية » فنون » أهل الفن » السوبرانو سميرة القادري : “صوتي قلم ينبش في الذاكرة والعصور الغابرة”

السوبرانو سميرة القادري : “صوتي قلم ينبش في الذاكرة والعصور الغابرة”

(فاطمة الزهراء الراجي) و م ع

من مقام إلى آخر، متجولة بين أعذب الألحان، بصوتها المتوسطي المحمل بعبق التاريخ العربي الأندلسي، تحيي السوبرانو المغربية سميرة القادري أزمنة كانت فيها الموسقى لغة للقلب والعقل.

كسفيرة فنية عابرة للحدود، وغوصها في كل ريبرتوار غابر ومتفرد، تعتبر سميرة القادري صوتها “قلما ينبش في الذاكرة والعصور الغابرة”، قناعة وسمت تجربة غنية وفكرية مميزة قوامها الكونية والحداثة.

مقامها بمدينة تطوان لسنوات طويلة، بكل تفاصيلها الثقافية والعمرانية والثقافية والفنية الأصيلة، جعلها أسيرة لما حملته رياح الأندلس للمغرب. في هذا الصدد تقول سميرة القادري، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء “لقد فتحت تجربتي على أوسع آفاق التراث الأندلسي في الفضاء المتوسطي، من خلال أداء النصوص الصوفية الألخاميدية ومن خلال مشروع ” من البشارات إلى عرفات” وأداء نصوص بن عربي ورابعة العدوية والشيخ سيدي محمد الحراق، بالإضافة إلى الغناء بلغات عتيقة منسية كالقرسطوية والجيليقية ولغة الأدينو واللغة السريالية.

وبحماس نادر وفيما يشبه رحلة أركيولوجية عبر التاريخ والجعرافيا، ساهمت سميرة في نقل نوادر فنية إلى الأجيال المعاصرة والقادمة. ومن خلال عملها الأكاديمي الرصين نجحت في نفض الغبار عن منطقة مظلمة من تاريخ إسبانيا المسلمة، موكدة أن “الغنائيات التراثية المتوسطية هي في الأساس من إبداع وابتكار أجدادنا الأندلسيين، كما أننا الورثة الشرعيون لهذا التراث الغنائي”.

ولعها بالموسيقى التراثية راجع إلى نشأتها في بيئة صوفية بفعل انتمائها للزاوية القادرية الشرقاوية، حيث تشبعت بثقافة السمو الروحي والأخلاقي، وحضرت أرقى المجالس الصوفية (غناء الفقيرات) إحياء لذكرى المولد النبوي الشريف أو في مناسبات أخرى، حيث قالت “هذا ما جعل ذاكرتي خزانا لتقاليد صوفية حاضرة بقوة في كل أعمالي الفنية، إضافى إلى دراستي لمخارج الحروف وتجويد القرآن الكريم”.

سفرها بين أعطاف الموسيقى الأندلسية والإسبانية، لم ينسها لغة الضاد، سميرة القادري تعتبر من أوائل من صاغوا اللغة العربية في قوالب من الموسيقى العالمية، مبرزة، في هذا السياق، “يسعدني أن أكون مطربة ليريكية باللغة العربية، وأقدم طربا ينفذ إلى الوجدان، ويضفي على اللغة العربية بعدا كونيا”.

واعتبرت أن الاشتغال على الذاكرة الموسيقية، والرجوع إلى الأصول والتاريخ والجذور التي ما تزال صامدة على الرغم من الهجران، يحمل أكثر من دلالة، مؤكدة عزمها على الارتقاء بالأغنية المغربية العربية إلى العالمية، والاشتغال على قطع بها من روح الفلامينكو والغرناطي، وتكوين تجربة رصينة تحاكي كل الأزمنة والثقافات.

لهذا الغرض خاضت غمار التجريب في تطويع الشعر العربي وإخضاعه لقوالب الموسيقى العالمية، خلال تجربتها، كأول سوبرانو عربية، إلى جانب الموسيقار الراحل مصطفى عائشة الرحماني.

عن تعاونها مع الموسيقار عائشة الرحماني استحضرت “اندفاع” ألبومها الأول وقالت “كانت تجربة فريدة وبداية فعلية لمشواري المهني”، خلال هذه التجربة غمرني بثقة كبيرة لإحياء بعض القصائد التي ظلت حبيسة الأدراج منذ الستينيات”، لأكون بذلك أول مؤدية لقرابة تسعين قطعة من قصائد شوبير وفدوى طوقان وغابيرال كارسيا لوركا ونزار قباني”.

مرحلة جديدة طبعت مسار سميرة الفني، يتعلق الأمر باشتغالها على غنائيات البحر الابيض المتوسط “القرسطوي”، وكل التقاليد العريقة التي تستمد روحها من الموسيقى الأندلسية، مؤكدة إيمانها بأن اللغة الموسيقية الأندلسية هي اللغة الأم التي تفرعت عنها اللغات الموسيقية الأخرى.

ويعتبر “مزيج” لبنة جديدة في بناء المشروع الفني للسوبرانو المغربية سميرة القادري، كما يعبر هذا العمل الجمالي عن رغبتها المستمرة في إعادة ترتيب نسيج الموسيقى المغربية بمختلف روافدها المغاربية والعربية والمتوسطية، لإعطائها بعدا كونيا تستحقه.

ما يميز هذه التجربة، حسب سميرة، “هو أن الكل حاول وضع بصمته الخاصة تأليفا وأداء وعزفا”، من خلال توظيف كل الإمكانات الفردية وتوحيدها في نفس واحد ونهج جماعي يهدف بالأساس إلى خلق الدهشة والجمال ما دام الأمر يتعلق بعمل غني وأكاديمي يطغى عليه التجريب، ويستمد مادته الخام من الموروث الثقافي الغني لحوض المتوسط .

وأشارت القادري إلى أن “مزيج” يستند على المزج والتوليف بين النصوص العربية والموسيقى المتوسطية الإيبيرية الأندلسية، “نلمس ذلك من خلال الحضور القوي لنصوص أدبية خالدة من حجم قصائد محي الدين ابن عربي ومحمد ربضان، التي دخلت في حوار مباشر مع نغمات غربية متنوعة كالجاز والفادو والفلامنكو”.

في هذا المشروع اشتغلت سميرة بمعية نخبة من الطاقات كالمايسترو نبيل أقبيب والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو ياسين عبد الوهاب والمؤلف الموسيقي وعازف العود يونس الفخار، وعازف الإيقاعات الشرقية محمد الخليفي وعازف الإيقاعات الغربية رشيد البرنوصي.

أما عن حياتها الشخصية تقول سميرة “الاستقرار العاطفي والعائلي عامل دفع للمبدع، محظوظة لارتباطي بزوج متفهم لا يتوانى عن دعمي، إلى جانب طفلي منة وهشام من يمنحانني نفسا طويلا للمثابرة والاستماثة وقت الشدائد”.

تخرجت سميرة القادري من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط – قسم المسرح، وترأس حاليا “جمعية المبادلات الثقافية بالمتوسط”، وهي مديرة المهرجان الدولي “أصوات نسائية” بتطوان.

حازت على جائزة “الفارابي” للموسيقى العتيقة من المجلس الوطني للموسيقى بالرباط التابع لليونسكو سنة 2008، كما حازت على الميدالية الفضية من أكاديمية الفنون والعلوم والآداب بباريس سنة 2010، ونالت الجائزة الكبرى لجوائز “ناجي نعمان” للأدب، ولقب “سفيرة فوق العادة للثقافة بالمجان” سنة 2011.

وسنة 2013 منحتها جهة “البوكورن” الفرنسية الوسام الذهبي من طرف الوزير الفرنسي وعمدة دي جون الكبرى، وتوجت بلقب امرأة السنة من طرف جمعية “تطاون أسمير” بتطوان في السنة ذاتها.

شاهد أيضاً

مريم الزعيمي في “دار النسا”.. ممثلة دائمة التجريب

تابعت الحلقات الأولى من المسلسل الدرامي الاجتماعي العائلي “دار النسا” للمخرجة سامية أقريو وأعجبت بمجموعة …