تقديم :
ظل دائما فن الحضرة في شمال المغرب ..ذلك الغناء الروحي بالإيقاعات المتفردة الذي اقتصر أكثر على النساء وبرعن في التعاطي معه والإعلاء من شأنه وإخراجه من البيوت والزوايا الى الحفلات والمهرجانات .
الحاجة الباتول الطاهرة واحدة من “معلمات” فن الحضرة الشهيرات تتحدث “للفنية” عن هذا الفن وعن ولع صوفي استوطن في قلوب النساء .
ما الذي يميز الحضرة النسائية ؟
تمتاز الحضرة النسائية بليلتين ، الليلة الاولى خاصة وتتغنى أساسا ب “دين النبي” بالمديح ، وليلة ثانية تسمى “الضيافة” وهي مخصصة للنساء ونسميهن ب المملوكات اللواتي يبدأن طقوسهن بالبخور (الشبة والحرمل والعود وكل الروائح الطيبة) ويلبسن السواد ايذانا بالرقص بعد اختيار اللون الموسيقي للرقص عليه وغالبا ما يقترب الايقاع من الايقاع “الكناوي” على أن تبدأ كل الاغاني بالمقطع الذي يميز فن الحضرة ” موسى ياموسى..…
هناك ايضا حضرة رجالية ما الفرق بينها وبين الحضرة النسائية ؟
الحضرة الرجالية تقتصر فقط على الزوايا كمكان لاحياءها ويتم الاعتماد فيها فقط على القصائد الشعرية المنظومة والموزونة (الصدر ، العجز، البحور، المتن ) ومكتوبة وغالبا ما تتغنى بمدح الرسول (ص)
أما الحضرة النسائية فهي مقتصرة على النساء داخل فضاءات مغلقة وهي في الغالب بيوت حيث تتماهى النساء في الغناء مع أشغال البيت بمعنى تتغنى بالحياة اليومية مع ذكر النبي (ص) ومن ذلك مثلا ..عوالة نمشي نزور نبي ..عوالة عوالة انشاء الله ..عوالة بجهد الله ..عوالة يامولاتي فاطمة..عوالة ما صايبا رجال …..وخصوصية الحضرة النسائية هنا تكمن في الغناء لرجل واحد هو النبي حيث يتم استحضاره في نصوص شعرية جميلة مع فارق طبعا عن الحضرة الرجالية في المقامات بحيث نجد الاخيرة غنية قياسا بالحضرة النسائية .
موضوعات أغاني الحضرة كانت دائما محط اهتمام الدارسين والمهتمين الذين وقفوا أساسا على من اين تستقي كل مجموعة موضوعاتها التي تميزها ؟
بالفعل لكل مجموعة موضوعات خاصة بها تتغنى بها ويعود ذلك بالأساس الى بيئة كل مجموعة على حدى ، مثلا المجموعات الموجودة في مدينة شفشاون تختلف كليا عن المجموعات التي توجد هنا في مدينة العرائش لأنه لكل مدينة خصائص تميزها عن الاخرى ومن هنا جاء الاختلاف أيضا حتى في موضوعات أغانيها وشخصيا في البداية كنت أتابع كل الحفلات التي تقوم بها (المعلمات) والحاملات لهذا التراث وقد عملت على جمع كل الاغاني التي كانت تتغنى بها النسوة ومعرفة كل الطقوس التي كن يقمن بها وقد قمت بتجديد هذه الاغاني واضفاء روح أخرى تتماشى مع العصر مع الحرص على ابقاء المضمون كما هو من خلال تأليف قصائد جديدة تنهل من التراث القديم ومن بعض الاساطير لبعض الشخصيات النسائية بالمدينة ك “لالة زوينة” مثلا ووضعها في قالب موسيقي يخضع لقانون الحضرة النسائية العرائشية التي تمتاز بالايقاعات الصاخبة وهي خصوصية محلية بامتياز عكس الحضرة الشفشاونية والتي يتم بناءها على الحال (احساس اني ).
فكرة تأسيس فرقة للحضرة النسائية لابد وأن تكون نابعة من عشق لهذا الفن؟
الفرقة التي نسميها فرقة الباتول للحضرة النسائية العرائشية أسست في العام 2012 وكان الهدف منها هو تجميع كل أشكال الغناء الذي تداولته المرأة العرائشية في مختلف المناسبات الحياتية فردية كانت أو جماعية حيث عملنا على جمع كل الاغاني الشفاهية في كتيب صغير للتعريف بهذا التراث ومن تم أسسنا فرقة تختص في البحث والتوثيق في التراث النسائي الشفاهي بالعرائش ووضع ألبوم به كل اغاني الحفلات الدينية وهي أول خطوة قمنا بها
طبعا عشق هذا الفن أمر لايناقش لكن هناك أيضا الخوف من اندثار هذا التراث الذي دفعنا عشقه الى محاولة التجديد من خلاله حيث استطعنا أن نضيف بعض الكلمات لشعراء حداثيين من أمثال الشاعر عبد السلام الصروخ والزجال عبد الرحمان الجباري وهي نصوص بقيت في نفس السياق المتشبع بالتراث المحلي أما التلحين فهو تلحيني والذي راعيت فيه كذلك عنصر الحفاظ على نفس القالب والطابع القديم .