محمد أشهبار
أنا ابن تلك المدينة الجميلة، ابن تلك الجبال الشامخة شموخ أهلها، ابن تلك الجبال الطاهرة التي رويت بدماء أجدادي ومازالت تُروى، نعم أنا من هناك، وهناك لعبت وحُقنت بأمصال لم يجد لها الأطباء والساسة وحتى “الفنانون” مثلكم مصلا مضادا. أمصال حب الوطن، والحرية، والعدالة، والكرامة، وهي أمصال ضد فيروس الفساد، الذل، والطاعة العمياء.
لم أتفطن للمعجم اللغوي الذي وظفته أتحدث وكأنني طبيب! لا تتفاجأوا، بعد قليل ستجدونني أتحدث لغة الفلاسفة، لما لا فالدهشة كما قال الفيلسوف الألماني شوبنهارو هي بداية التفلسف. دهشتي أنا هي دهشة طفل في قرية إسمها السواني معزولة لا إنارة ولا مراحض في المدرسة التي درست فيها، وسط ثلاثة جبال وبحر أستمتع بهدير أمواجه في فصل الشتاء، وأنا أراجع دروسي تحت إنارة القنديل زيتي.
لنرجع إلى لغة الأطباء لنتساءل معكم عن فحوى زيارتكم لمدينة الحسيمة، هل جئتم لتلقيح أنفسكم بمصل التربة، أم جئتم لزرع الفيروس المضاد؟! في كلتي الحالتين سأقول لكم إنكم وصلتم متأخرين كثيرا جدا، إصابتكم بمرض الرضوخ والعبودية والذل هو في مراحله المتأخرة حيث لا ينفع معه علاج، أما إن كنتم تنون نشر فيروس مضاد سأقول لكم مناعتنا قوية كثيرا، عبر التاريخ لم نخضع للترويض، اقرؤوا التاريخ كي تعرفوا كيف قاومنا الاحتلال، وحافظنا على هويتنا ولغتنا وأرضنا…
هل تساءلتم وأنتم عَلى متن طائرة مدفوعة الثمن باتجاه الحسيمة، عن فحوى الرسالة التي تريدون إيصالها لسكان المدينة؟
هل تساءلتم عن مهمة الفن والفنان؟ لا.. أجزم أنكم لم تتساءلوا عن فحوى زيارتكم لكن من أرسلكم ودفع ثمن تذاكركم وإقامتكم يعرف تماما لماذا أرسلكم وفي هذا الوقت بالضبط. ربما يحق لي بقوة الواقع والتعريف الفلسفي لمفهوم الفن والفنان، أن أجردكم من هذه الصفة التي لا تستقيم وأفعالكم، لم يكن الفن في يوم من الأيام استرزاقا على معاناة الأخرين، ولم يكن يوما رهينا بتحقيق اللذة المادية، بل كان و لا زال رسالة مليئة بالرموز والإستعارة والمجاز موجهة إلى الإنسان لإشراكه في الحس الجمالي والروحي للفنان وهو يقدم عمله الفني بكل حرية كشرط أساسي في أي عمل فني، لكي يأسس المبدع علاقة واقعية مع متلقيه مبنية على الحدس والقلق والتأمل، و هذا ما افتقدناه في زيارتكم التي تفتقد للعلاقة الواقعية.
ففي الوقت الذي نجد فيه فنانين في سجن عكاشة داخل زنازين انفرادية، ذنبهم أنهم أسسوا لتلك العلاقة الواقعية بين المبدع ومتلقيه، نجدكم أنتم، في خطوة استفزازية تسيئ للفنان والفن ولتلك العلاقة الجمالية التي تربط بينهما، تريدون تقويض عمل وإبداع الفنانين المتواجدين بعكاشة الذين عانقوا هموم الجماهير التي خرجت للشوارع، بدعوة التشجيع على السياحة!!