تعرف بلادنا حركة اجتماعية غير مسبوقة يعبر عنها بكلمة “حراك” التي تعني “حركة نضالية” أو “حركة احتجاجية”، انطلقت من الحسيمة/الريف منذ أزيد من سبعة أشهر لتنتشر وتعم مختلف ربوع الوطن، وكذلك في أوساط المغاربة المقيمين في الخارج.
أسباب هذه الحركة بسيطة وواضحة : هي حركة اجتماعية متمدنة وسلمية شعارها المركزي هو “هي ملمة وحدة: هاد الدولة فاسدة”، ينتج عنه مطلب رئيسي: ليسقط “الفساد” (مصطلح يعبر على السياسة التي يعبر عنها كذلك التعبير الشعبي “باك صاحبي” وهي السياسة المبنية على الرشوة والمحسوبية والزبونية والشطط في استعمال السلطة)، ويتفرع عن هذا المطلب الأساسي مجموعة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتعلق بالحق في الشغل والتطبيب والتعليم العالي والعدالة… هذه السياسة متفشية في البلاد منذ عقود ضدا على كل القوانين والنظم الجاري بها العمل، تمارسها أقلية من ذوي النفوذ والمسئولين الكبار والوجهاء الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون بحكم الوضع والمكانة التي يخولها لهم التعيين الملكي، ومن تم يستبيحون كل شيء ! فبالنسبة لهم القوانين لا تطبق سوى على الآخرين، فهم “أسياد قطاعهم المطلقون”، بل “آلهته”، لا تطالهم قوانين البشر العاديين، لهم السلطة المطلقة على كل شيء ! هكذا تصبح المؤسسات العمومية التي يديرونها عبارة عن إرث عائلي لهم الحق المطلق في الاستفادة منه. يعطون لنفسهم الحق في استعمال ميزانيتها ومعداتها وحتى موظفيها كما يحلو لهم ! هكذا يتصرفون في الممتلكات العمومية كما يشاءون. المثال النموذجي : المشاريع التي لم يتم إنجازها في إطار مشروع “الحسيمة : منارة المتوسط”.
لقد امتنعت دوما عن الحديث في المجالات التي لا أعرفها. وكفنان امتنعت عن أية بيعة سياسية مباشرة كيفما كان نوعها حفاظا على استقلالية وحرية تعبيري. ولكنني كمواطن أشعر بالانتماء لهذا “الحراك” ولا يمكنني إلا أن أسانده. السبب بسيط جدا : انطلاقا من المجال الذي أعرفه جيدا والذي أشتغل فيه، وهو قطاع السينما والسمعي البصري، أجد نفسي، كسكان الريف تماما، في موقع المتضرر المباشر، صحبة مجموعة كبيرة من المهنيين، من “الفساد” الذي يحتج عليه “الحراك”، من سياسة “باك صاحبي” المستشرية في مجال السينما والتلفزيون والثقافة بشكل عام. فالمسئولون في هذا المجال، السادة فيصل العرايشي وسليم الشيخ وصارم الفاسي الفهري، إلخ…، يمثلون نماذج صارخة لهؤلاء “الآلهة” المتربعون فوق القوانين السارية على البشر والذين جعلوا من هذه السياسة نظاما رسميا للتسيير : عدم احترام القوانين الجاري بها العمل، كل شيء يمر عبر قنوات الرشوة والمحسوبية والزبونية، والكل يمارس في إطار صارخ من الشطط في استعمال السلطة، بدون حسيب ولا رقيب. أمثلة :
– أنا شخصيا، بمعية مجموعة من السينمائيين، موضوع على لائحة سوداء للممنوعين من الاشتغال مع القنوات التلفزيونية الوطنية لأزيد من عشر سنوات بقرار شخصي لا رجعة فيه للسيد الرئيس المدير العام ! وأفلامي وعروضي المسرحية ممنوعة من البث على القنوات الوطنية ! كما أن البرنامج السينمائي الذي كنت أنجزه لمدة سنوات للقناة الأولى تم السطو عليه في خرق سافر لحقوق الملكية الفكرية !
– دفاتر تحملات القنوات التلفزيونية، بالرغم من طابعها اللامعقول والغير العادل، لا يتم احترامها نهائيا، خصوصا في مجال الأفلام السينمائية الوطنية : فمنذ ست سنوات لم تساهم هذه القنوات في إنتاج الأفلام السينمائية رغم أن دفاتر تحملاتها تنص حرفيا وبوضوح على ذلك ! ربما أن السيد الرئيس المدير العام يعتبر أن هذا الفرض القانوني “غير ضروري” ! الشيء الذي يشكل خسارة كبيرة للسينما الوطنية وعرقلة واضحة لتطورها.
وهذا فعلا ما جعلني أتفهم “الحراك”، بل أقنعني بضرورة قيام المهنيين في قطاع السينما والسمعي البصري والثقافة عموما بحراك خاص يطالب بتطهير القطاع من هذا “الفساد” الذي يزكمه والذي يقوده السيد فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للقنوات التلفزيونية العمومية منذ حوالي ثمانية عشر سنة ! ونظرا لخصوصية وحساسية القطاع أقترح تعيين لجنة تقصي خاصة قصد تحديد حجم الخسائر التي أحدثها هؤلاء المسئولون بمصالح القطاع : عدم احترام القوانين، عدم احترام ما هو منصوص عليه في دفاتر التحملات، تبذير المال العام في إنتاجات غير قابلة للبث (مئات الساعات من البرامج توضع في سلة المهملات بعد أن صرفت أموال طائلة في إنتاجها)، مأسسة الرشوة والزبونية كنظام تسيير رسمي مع الشطط في استعمال السلطة…
وإذا لم ينجح هذا المسلك، أقترح التوجه إلى المحكمة الإدارية لطلب اتخاذ قرار عادل وجبر الأضرار الناتجة عن هذه المخالفات الصارخة للقوانين. هذا حقنا المطلق.