تحت شعار”انسجام”، تعرض الفنانة المبدعة فاطنة شعنان أعمالها التشكيلية برواق المربع الفرنسي بالدار البيضاء مابين 4 و 12 فبراير الجاري. ألوان المغرب الناصعة والبهية فتحت بصيرتها، و أصالة اللباس التقليدي جلت نظرها الداخلي، و الرأسمال الطبيعي علمها لغة القلوب و العقول معا..أهدت فاطنة شعنان كل عوالمها الفنية إلى الأرواح المتحررة من قيود المادة، معتبرة الإبداع مجازا بصريا يعانق الحقيقة و يشاكسها بشغب و حكمة. إنها حقائق من سيرتها الذاتية. كما أنها تشربت بمعين التجربة الفنية التي ارتادتها بروية و تبصر.
هكذا تفصح أبحاثها الإبداعية عن هوس شديد بالحقائق الذاتية التي تبين أسرار النفوس، و تذكي شرارات التحليل و التأويل.
إن الفن، كما تتصوره ، ديانة باطنية، و حياة مقدسة. أليس الجمال دين الحكماء كما ورد على لسان شاعر هندي؟ أليس الجمال، أيضا، نصيب المتأملين بتعبير جبران خليل جبران؟ ألا يتساوى الموت و الحياة بالجمال؟
في بحار ألوانها المتدفقة، و عوالمها المجازية، يهيم المتلقي ، و يصغي لأنغام الذات المعزوفة على قيثارة الروح. تتوزع أعمالها التشكيلية الموحية على عدة أبعاد بصرية في شكل مصالحة بين الإنسان ومجاله الطبيعي، مما يضفي طابعا شعريا على مختلف العناصر المؤسسة لفعلها التصويري: “أعمالي التشكيلية تحتفي بالإنسان والطبيعة، وغالبا ما أشتغل على كل ما هو تقليدي وأصيل”. لقد أحببت الرسم، وعشقت الألوان منذ نعومة أظافري، ربما لأن والدي كان فلاحا، ونشأتي تمت وسط الطبيعة ، مما ساهم في هذا الميول الفني. حقا إنني أصبح في حالة نفسية ووجدانية عندما ما أجلس أمام لوحتي، فالتشكيل بالنسبة لي سفر الروح والعقل معا إلى عالم آخر قد يستغرق ساعات طوال دون الإحساس بمرور الوقت”، تؤكد الفنانة للناقد عبدا لله الشيخ.
فاطنة شعنان ، قوة هادئة و هادرة في الآن ذاته. فنانة تعيد بناء عوالمنا الداخلية و الخارجية معا موغلة في متاهة الأزمنة المفقودة، و جاعلة من المكان البطل الإشكالي للوحاتها الفنية. لكل مؤشر بصري سطوته في التاريخ الخاص، فهو دعوة مجازية للبحث في الماضي، و التدرج من المرئي إلى اللامرئي. لكل مؤشر بصري، أيضا، حكايته التي تسامر وحشتنا و تناجي نفسنا.
لقد عرفت فاطنة شعنان كيف تسير إلى الأمام دون اكتراث و مواربة. فهي لا تعرف الوقوف البتة، لأن الأمام بالنسبة لها طريق البحث عن الكمال النسبي. ليست أعمال فاطنة شعنان مجرد محاولات تجريبية تراهن على الشكل و تتوق إلى الجمال الظاهر. إنها، على عكس ذلك ، رسائل معرفية و عرفانية معا، تهجس ببعض أسرار الحياة التي تعرج بنا من مكان إلى مكان، و تنتقل بنا من محيط إلى آخر ، و نحن لا نرى إلا حقائقنا الخاصة ، و لا نسمع إلا أصواتنا التي تسكن جوارحنا.
لعمري إنها حياة تتوزع بين الحقيقة و الخيال. حياة انبجست من ظلال و أنوار اللوحات. حياة لا يدرك نواميسها إلا من تعقل و تأمل، لأنها مستوحاة من فضيلة تمجيد النفس التي انعتقت من ربقة المادة.
مرهفة و شاعرة بطبعها ، هي فاطنة شعنان. امرأة حساسة تطلق العنان لتلقائيتها المفرطة في الفيض. إنها راحلة تلقي نظراتها باستمرار جهة شركاء حياتها، من صناع الجمال ، و مهندسي الروح.أصبحت فتنتها بكل ماهو عريق وأصيل قصيدة حياتها، و الفصل المحوري من سيرتها المعنوية التي تروم الكمال، و تعلم أن الكمال هو اللانهاية.
آمنت فاطنة شعنان من خلال مصاحبتها للريشة و القماش بأن حكمة الفن البصري ابنة المحبة و الجمال: حكمة تنبع من داخل الذات لا من خارجها.شجرة مغروسة على ضفة نهر الجمال. منهل عذب تستقي منه النفوس العطشى : عوالم ترجع إلى أمهات مصادرها بحكم الطبيعة ، جاعلة من كل لوحة غيض من فيض، و شذرة معنوية أنارها الحب الداخلي ، و أفعمها الشوق إلى الأصل.
منصف عبد الحق (ناقد فني)