لماذا مرة أخرى؟ الوضع لازال كما هو لا تغيير و لا تبديل. فقط أرقام السنوات التي تتسرب من عمرنا هكذا دون طائل. فالشاعر الذي يبدع، ينسى انه كذلك عند اول نداء يومي لمتطلبات يعجز عن تلبيتها. الممثل الكبير جدا الذي يمتع ويبدع، يفر من امام غول الخبز اليومي. هذا النجم الكبير الذي لا يمكن أن يمر في الشارع دون أن يوقفه المغاربة من اجل توقيع أو صورة. يعيش المفارقة العجيبة، فهو النجم اللامع الذي يستضيء به معجبوه، وهو أيضا المواطن الفقير الذي لا يملك ثمن نجوميته. هذا النجم الكبير جدا، الذي يعطي كل ما لديه في عمل سينمائي أو تلفزيوني، ويكد ويجد في اداء دوره، يصفق له الكل وينال الجوائز بعد ذلك. هذا النجم يكون الفيلم قد تآكل بفعل التقادم وهو لم يتسلم تعويضه المستحق بعد.
هل يستوي الإبداع مع غريمه الأزلي الخبز؟ أبدا، فالقوة لقاهر الجبال ووقود البطون ومعشوق الجماهير. الخبز وما أدراك ما الخبز… هو هو لا يتغير ولا يتدحرج صدفة على مائدة العاجزين عن شراء وده. الخبز معشوق البطون، لكنه عدو الإبداع بكل تأكيد. لا يترك مجالا للتفكير في تفاصيل الأفق، بل يحصر الاحلام في لحظة المائدة فقط لا أقل و لا أكثر.
ماذا تفعل القصيدة امام سجانها السيد الخبز المحترم؟
ماذا يفعل الفنان أمام قاهره السيد الخبز المحترم؟
ماذا يفعل التشكيلي أمام براعة الملامح التي رسمها السيد الخبز المقتدر؟
ماذا يفعل الحلم امام كابوس اليومي السيد الخبز الشرير؟
الخبز… الخبز، في كل مكان لا تجد سوى الجري وراء الخبزة بصيغة المفرد التي تحيل على اليومي. أو الخبز بصيغة الجمع الذي يحيل على المستقبل.
مصاريف المدرسة خبز، مصاريف المنزل خبز، العطلة خبز، العيد خبز، الحلم خبز، الحياة بالنسبة للمغربي خبز لا ينتهي “تصويره” أبدا. فكاميرا الحياة لا تسمح بمشهد أخر غير تصوير الخبز، في وضعيات مختلفة ولقطات متعددة.
هكذا تصطدم مرة اخرى بفنان كبير جدا، يعيش الواقع بوجهين، وجه للمعجبين ووجه لأسرته التي تعرف انه لم يستطع توفير “الخبز” لها. وهكذا تجد ذلك النجم الكبير، يحاور الصحافة ويعطي رأيه في كذا و كذا مواضيع. لكنه عندما يغادر الحوار، يبحث في جيبه عن ثمن مقعد في مقهى أو مكان يستعيد فيه أنفاسه ويسترجع ذاته. ليجد الخواء يترقبه ويعيده إلى حضيض التفكير… الخبز..
كتب: عبد العزيز بنعبو
المنعطف: 18/4/2016