محمد بنعزيز
ضمن عروض الدورة الرابعة لمهرجان طنجة الدولي للمسرح عرضت مسرحية “قناصةّ” من تونس. كوميديا اجتماعية عن مرحلة الثورة على فرض ان الثورة توقفت بعد فوز نداء تونس بالانتخابات. تمنح المسرحية الكلمة للقناص الذي قتل الكثيرين أثناء الثورة ليدافع عن نفسه وليبرئها. وفي هذه المرافعة العبثية يستدل القناص – من موقعه حيث يكمن خلف منظاره يسدد على المتفرجين – على كونه ضروريا للثورة.
فالقناص صنع المزيد من الشهداء. إذ لا ثورة دون شهداء. وهو قد أراح القتلى من بؤسهم. وقد وفر تعويضا لأهالي الشهداء. كل شهيد يحصل على تعويض كبير. يزعم أن كل تونسي فقير يريد ان يكون هناك شهيد في اسرته ليفتخر بالوطنية ويحصل على تعويض ليخرج من البؤس. وهكذا يضرب عصفورين بشهيد. في خضم الجدل عن الحقوق كانت الثورة فرصة للانتهازيين.
الموت سائد لكنه يفسر حسب المصلحة. فكل من قتله القناص مات شهيدا وكل من قتلته الشرطة ليس شهيدا لأنه مات ميتة طبيعية بوثيقة من الطبيب الشرعي. كلما زاد الشهداء زادت الثورة. كلما مات الشهداء وأعلن الحداد زاد منسوب الوطنية. كلما سقط شهيد خاف الناس وتوحدوا صفا واحدا وتطابقوا مع الدولة. وهذه معجزة سياسية.
إذن فثورة بلا قناصة ثورة منقوصة. ولن تنجح ثورة دون دم. ثم إنه قد سقط أربعون الف قتيل في الثورة الفرنسية لذا فالقناص التونسي بحاجة للمزيد من الرصاص. القناص فعال، لا يعذب الشهداء ولا يجرحهم بل يقتلهم فورا بطلقة بين العينين.
الخطير أن أنه حين لا يموت أحد ترتخي حماسة الثوار.
مسرحية سوريالية تكشف لاوعي القناص وتمسرحته في خليط من الفكاهة والعبث. وبناء على منطقه العبثي لتبرير القتل فضمير القناص مرتاح. لذالك يطالب برد الاعتبار له أو منحه مكافأة. يتوجه للحكومة فيلاحظ عجزها لأنها مشكلة من معتقلين سابقين خرب السجن والمفنى صحتهم. لا يجد القناص حلا فيتمنى ظهور مارد ليحقق له الأماني. هنا أيضا وقع خلاف حول الامنية الوحيدة التي يجب تقديمها. فالاصلع يطالب بأن ينبت له شعر وهذا أهم له من نجاح الثورة. هنا يتضح أن الثورة لم تنجح لأن الثوري منحوس.
استدلال عبثي مفاده أن القناص ضروري لاستمرار ونجاح الثورة.
لماذا تندلع الثورات؟ وما كمية الدم التي تسيل من أجلها؟
تندلع الثورات بسبب البؤس والدم ضروري لاستمرارها. وتعد روايته ‘الممسوسون’ مختبرا إبداعيا فضح فيه فيدور دوستوفسكي آليات الثورة: إنها تحريض وتوحيد الجماهير بواسطة الدم الذي سُكب بطريقة جماعية. هذه النظرية التي استخدمها سيرجي إيزنشتاين في ثورة البحارة ضد اللحم الفاسد وضمنت خلود فيلمه “المدرعة بوتمكين”. ويقدم دم البوعزيزي في تونس آخر تطبيق لنظرية الموت العلني لإشعال ثورة.
المسرحية من إخراج يوسف الصيداوي، تأليف عماد الساكت، تمثيل محمد اللافي وعماد الساكت وسينوغرافيا نزار بنخضرة. عرضت المسرحية لأربعين مرة وقد تم البدء في عرضها قبل خروج فيلم “القناص الامريكي”.
على المستوى البصري تكاملت اجواء الديكور والإضاءة في خلق الغموض رغم فقر البرويتاج الذي يشكل خلفية للحدث الثوري. وهذا البرويتاج شاهد ضروري لدفع المتفرج للتصديق.
رغم كثافة عبثية حوار القناصين فهناك لحظات خواء ووقت ميت وقد تورط الممثل في مونولوج طويل مرتجل لمدة عشر دقائق لا صلة له بالنص الأصلي عن النحس والثورة. وهكذا طغى المحتوى السياسي للحظة على البحث الاسلوبي، في تفسيره لذلك قال المخرج إن الثقافة تحدث تحولا في العقول وهذا ما تحتاجه تونس.