لوحاته أشبه بالمقطوعات الموسيقية، ونوتاته تحاكي الحروف والأشكال الهندسية التي تتدافع لكنها تحافظ على انسجامها، متناثرة هنا وهناك، تلك هي حروف مصطفى الزوفري، الفنان التشكيلي المغربي المقيم ببلجيكا التي ترفض الانصهار في ذلك القالب الذي صممه خطاط أصيل.
فأعمال هذا الفنان المتعدد المواهب (الرسم، النحت، النقش والطباعة) متحررة بشكل جوهري وبحرفية أيضا، لأن الحرية والانفتاح وكسر الصور النمطية حسب هذا الفنان، تتمثل في خلق الاختلاف من فنان لآخر.
ويقول هذا الفنان الخمسيني الذي يقيم ببروكسيل منذ كان عمره 18 سنة “إننا ننطلق من جذورنا بالتأكيد، لكن لا ينبغي أن ندور حولها فقط، بل يجب علينا خلق أشياء تنتمي إلى عصرنا”.
ويقدم معرضه الأخير الذي يضم حوالي عشرين لوحة والذي احتضنته دار الثقافات المغربية الفلامانية ببروكسيل، بعضا من هذا التصور الفني للفنان مصطفى الزوفري، الذي يبدو من خلال تحريره للخط، وكأنه يترك مساحة حرة لحروفه الأيقونة المرنة الخفيفة التي تنفلت من القيد لتكون أشبه بمقطوعة موسيقية.
غير أن حرية الحركة عند الزوفري لا تعني الفوضى، فكما هو الحال في الموسيقى، حيث تؤدي اللمسات التي تبدو ظاهريا فوضوية، إلى تماثل سهل القراءة بين أجزاء اللوحة كفسيفساء ساحرة.
وأبرز الزوفري في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا العمل غير النمطي يعد ثمرة ثلاثين سنة من الأبحاث الفنية التي امتدت على مدى مرحلتين.
فبعد تكوينه الأكاديمي الذي تلقاه بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل، وبالمدرسة العليا للفنون المرئية بمونس، اشتغل الزوفري على الفسيفساء الموريسكية والعربية الإسلامية، وخصوصا ولادة الأشكال من خلال الممارسة الهندسية والحسابية (المربع السحري/مربع التناغم)، حيث تجسدت مساهمته في استبدال الخطوط المنتظمة بالكلمات العربية المجردة من معناها الأدبيº وبمجرد تسطير إطار للكلمات، يختار هذا الفنان ألوانه بشكل اعتباطي، للتعبير عن موضوعات مستوحاة من الطبيعة، ومن حدث ما، ومن الروحانية أو من الثقافة.
أما المرحلة الثانية، فقد بدأت حين التجأ الزوفري إلى الفن التجريدي الغنائي متأثرا في ذلك بجيرارد شنايدر، وماتيس، وبول كلي، وميرو أو بلكاهية، حيث يقول بهذا الخصوص: “حاولت في بداية هذا البحث تكبير بعض تفاصيل رسوماتي المتمحورة حول الحروف، وحصلت على لوحات تجريدية بشكل كامل، ومع مرور الوقت تخليت عن الكلمات،لأعبر عن نفسي في أشكال تجريدية وغنائية بحتة”.
وبتفحص لوحاته، يصعب اليوم عزل مقاربة معينة لهذا الفنان الذي انتقل من أسلوب إلى آخر بتمكن ومهارة. وببلوغه هذه المرحلة، يواصل الزوفري، تحت السماء الرمادية لبروكسيل، محاولاته لتليين قسوة المناخ من خلال جملة من الألوان التي تدفع بالحروف نحو فضاء المرونة.
وفي لعبة تجانس الألوان هذه، التي تتلاءم مع فن الخط المتحرر لمصطفى الزوفري، تبدو الأعمال الفنية وكأنها إزهار خصب، حيث يرى الناقد الدولي للفنون جو ديستان، في لوحات الزوفري ألوان “الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر والبنفسجي تنتظم في رقصة السربندة، ومتواليات، وخطاطات نشطة تمكن المرء من زيارة أنوية حياة في منتهى الغزارة، حيث تجمع تباينات لونية غير متوقعة بعيدة عن أي دفء حيوي”.
وعندما يكون بعيدا عن حروفه ولوحاته، يصبح الفنان الزوفري مدمنا على مواهبه الأخرى من قبيل النحت والنقش على الخصوص، كما يحب أن يبادل شغفه المتعدد مع شباب مولينبيك في “المغرب الصغير”، الحي الذي يتواجد في بروكسيل والذي يشهد تمركزا مكثفا للمغاربة المقيمين ببلجيكا.
وتشهد على ذلك جدارية توجد في مدخل المدرسة العاشرة لمولينبيك، حيث شارك تلاميذ، تحت إشراف مصطفى الزوفري، في تمرين زاخر بتطور أشكال هندسية، كونوا منها فسيفساء على حائط المدرسة، في عمل يوحي للوهلة الأولى بلمسات البيانو، وباختصار بالموسيقىº تلك الموسيقية التي يهتز لها العالم الفني لمصطفى الزوفري.