مغنية الأوبرا سميرة القادري
عشقي للغناء يتجاوز المألوف
الجمع بين الغناء والبحث في المجال الغنائي ربما هو نوع من التماهي الجميل الذي لا يشعر به إلا صاحبه ..لكن يبدو أن هذا التتويج كشف لنا الخفي في سميرة القادري أي الجانب الأكاديمي أي الباحثة في المجال الغنائي ..لنتقرب معك قليلا من ذلك ؟
بالفعل لأنني كنت دائما معروفة فقط بمغنية أوبرا ، وجانب البحث في الحقيقة هو من باب الصدفة أيضا لأن البحث والنبش في الذاكرة الأندلسية الموريسكية حتم علي أحيانا أنه وقبل أن اختار شكلا غنائيا معينا لأدائه أن اطرح مجموعة من الأسئلة ، وقد بدأ التحول في مساري عندما بدأت أؤدي القصائد الاريكية والتي هي مصاغة في قوالب أكاديمية وهي تجربة كانت منفردة على مستوى الوطن العربي لكنها لم تنل النجاح الكبير لأنها بقيت نخبوية حتى في داخل النخبة نفسها
إذن عندما أرى أن عشقي لهذا الغناء يتجاوز المألوف فإنني أجد أنه من الحرام أن أحد من قدراتي للتأمل أكثر في هذا الفن خاصة عندما نعلم أن تقاليد هذا الفن للأسف غائبة ليس فقط في المغرب ولكن في بقاع متعددة من العالم العربي ولو أن لديهم كنائس وتخصصات متعددة واذكر بالخصوص سوريا ومصر وفلسطين كذلك فان التخصص في الغناء القرسطاوي غائب وهو الأمر الذي سعيت لأتخصص فيه ومن تم شاركت في اسطنبول في مهرجان ملتقى مدارس البحر الأبيض المتوسط سنة 2000 ومن بعد بدأت أتلقى دروسا في مكثفة في الغناء الايريكي وبالصدفة سمعت نوعا من الأغاني عشقتها أذني في أول وهلة وأحسست أنها تحمل جزءا منا وأنها قريبة منا بشكل من الأشكال ومن تم بدأت أطرح التساؤلات لماذا هذا التطابق ..ولماذا هذا التشابه ؟
هذه الأسئلة الكثيرة هي التي تستفزنا في بعض الأحيان وتحولنا إلى مسارات أخرى ومن هنا تولد الباحث الأكاديمي في مساري وكان علي أن أخوض هذا المسار مسار الباحثة الأكاديمية وأدخله من بابه الواسع حيث سجلت نفسي بجامعة قاديس باسبانيا ودخلت ضمن مجموعة البحث في الشعبة ومن تم بدأت الخطوات لكن حظي أو ميزتي في الموضوع هو أنني مغنية والشئ الذي سأترجمه على الورق كنت أترجمه غناء بصوتي
عندما نتحدث عن الموسيقى القديمة والغناء القديم هل نقصد مثلا غناء كما غني في أزمنة قديمة ؟
فعلا أنا اغني موسيقى قديمة ولكن ما لجديد في الموسيقى القديمة ؟ الجديد هو أنني حاولت أن أضفي عليها أولا من ناحية التعبير أن تكون بشكل شرقي بمعنى أن هناك فرق كبير بين ما تغنيه الكانتيكا سميرة القادري وما يغنيه الأجانب لأن الأجانب يغنونها بطعم خاص ، والجديد في تجربتي هو أنني حاولت أن أضفي على الريبرتوار الغنائي الذي كان في وقت من الأوقات حكرا على الأوروبيين (علما أنه ارث مشترك بيننا وأننا نحن ورثة شرعيين لهذا التراث) حيث حاولت أن ادخل عليه آلات عربية كالناي والقانون وآلة السليترويوم وهو اجتهاد يقتضي بالأساس بحث في المنمنمات الموجودة في المتاحف واستنادا على بعض المراجع الموجودة في المكتبات علما أن هذا النوع من الموسيقى تنقل بالشفهي أكثر مما تنقل بالمكتوب
ممكن نتعرف معك على نموذج من هذه الأغاني مثلا ؟
مثلا إحدى الكانتيكات من الأغاني القديمة وهي من أغاني الفونسو الحكيم وهي أعمال مكتوبة بالاسبانية قديمة جدا من القرون الوسطى ولكن لحنها فنانون مسلمون وعندما لحنوها طلب منهم الملك الفونسو الحكيم في أواخر القرن 12 وبداية القرن 13 أن يصوغوها صياغة على منوال الموسيقى الأندلسية
في رأيك حفاظ هذا النوع من الغناء القديم هل أخد عنهم جيل جديد قد يبقي مشعل الأغاني القديمة متقدا ولو إلى حين؟
هذا المشكل أطرحه في إطار البحث أيضا لان البحوث في المجال تقتضي منك البحث عن الموسيقى الأصل من الموسيقى المنتحلة وهذا إشكال كبير لان أمر التأكد من ذلك ليس سهلا وغير متوفر بالنظر لعوامل عديدة من بينها قلة الحفاظ واقصد حفاظ عدد من أشكال الموسيقى العرقية والقديمة بالأساس
مثلا في الموسيقى الأندلسية ..من هي الموسيقى الأصل هل هي الانتيكا أم الموسيقى الأندلسية التي نسمعها الآن؟ إذا قلنا الأخيرة فانا اطرح السؤال أين هي الآلات الموسيقية المرسومة على الجدران والمتواجدة في المتاحف
بالمقابل اقر أن موسيقانا العربية المسلمة لديها حظ كبير لأنها منقولة عبر الشفهي وقوة هذا الشفهي تكمن في انه يحاول أن يحفظ روح العمل
هل مقبول من وجهة نظرك التجديد في التراث الموسيقي ؟
شخصيا اعتقد انه يجوز الوجهان أي الحفاظ عن الموسيقى الأصلية التي هي النواة الأصلية وهذا أمر وارد وقائم ولكن في نفس الوقت التراث ليس كتابا منزلا فهو قابل للتجديد قابل للإحياء بروح العصر شرط أن من سيتناوله يكون متمكنا من أدوات الاشتغال
اسأل فيك الباحثة هل الموسيقى الأندلسية موسيقى دينية بالأساس ؟
تضاربت الآراء أين يمكن تصنيف الموسيقى الأندلسية هل هي موسيقى شرقية أم غربية وأنا شخصيا أقول إنها موسيقى مستقلة بذاتها ..لماذا ؟ لأنها أخذت الجانب الشعري من الشعر العربي وهو الشعر نفسه الذي سيتحول زجلا بسيطا سلسا ليتناسب واللغة الموسيقية أي الموسيقى الأندلسية ، كما أنني أقول أن الموسيقى الأندلسية هي خليط بين الشرق والغرب كما يقول ابن باجة ، وعندما نتحدث عن ما هو ديني فان الأمر فيه الكثير من الحقيقة لان الموسيقى الأندلسية قريبة من الغناء الكريوكولي والذي نعرف عنه أنه كان غناء الكنائس
هل الأندلسي غناء شعبي أم غناء نخبة ؟
هناك ظروف معينة جعلت من الموسيقى الأندلسية محتكرة لدى طبقة على حساب طبقة أخرى ، و حتى الإعلام عندنا ساهم في ذلك إلى درجة أنه تم خلق نوع من النفور بين المتلقي وهذا النوع من الموسيقى وحصره في مدن معينة ، لكن في الوقت الحالي اعتقد أن الأمر سيكون أحسن بالنظر لإقبال الشباب على هذا النوع من الموسيقى والأمل في المستقبل
عينت أيضا من طرف مؤسسة ناجي النعمان كسفيرة فوق العادة “للثقافة بالمجان” وهو تتويج أيضا ؟
في الحقيقة هذه صفات تخوف وفي الواقع وهو تشريف وتحفيز للفنان لكنه يزيد من قلق الفنان أي انه عليك أن تكون دائما جيدا، وأنا لست فوق العادة أنا إنسانة بسيطة جدا تجربتي دائما اعتبرها في البداية هدفي هو تقاسمها مع الآخر وتبليغ الرسالة وصفة سفيرة فوق العادة ستكون لنقل رسالة نبيلة هي رسالة الفن فصوتي يجب أن يكون قلم ينبش في الذاكرة هذه الذاكرة المغربية العربية الإسلامية الغنية والثرية والراقية