ساءلت ندوة “الفن التشكيلي العربي المعاصر : الرهانات والتحديات” مسارات “التحولات التاريخية والفنية التي عاشها العالم العربي ومعه باقي بلدان العالم”، والتي “أفرزت تطورات عرفها الفن العربي المعاصر في العقدين الأخيرين”.
وطرحت الندوة، المنظمة على مدى يومين بموسم أصيلة الثقافي الدولي في نسخته ال36 وجامعة المعتمد بن عباد الصيفية في نسختها ال29، “الرهانات الحالية للممارسة التشكيلية العربية والتحديات التي تواجهها”، وذلك من خلال أربعة محاور.
وتتمثل هذه المحاور، التي تناولها بالتحليل عدد من نقاد الفن ومؤرخيه والفنانين التشكيليين، في الفن العربي بين حرية الإبداع وحرية المبدع، والفن العربي المعاصر ومؤسساته ووسائطه، ورهانات التجديد في الفن العربي المعاصر، والفن العربي المعاصر بين الذاكرة والتاريخ.
وفي كلمة تقديمية، عزا الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أسباب اختيار موضوع الندوة إلى “الوضع الصادم الكارثي” لعدد من البلدان خاصة في المشرق العربي، والتي يعد الفنان أول المتأثرين بها، وإلى المخاضات التي تمر منها هذه البلدان خاصة أن الفن يشهد تطورات في العالم المتقدم.
كما دعا الناقد الفني فريد الزاهي، منسق الندوة، إلى “معانقة رحابة التحولات والسياقات المتداخلة، وإلى مراجعة المفاهيم عن الواقعي والمتخيل وعن الصورة والتصوير واستعادة اللامفكر فيه”، مضيفا أن “الرهانات هي رهانات التفكير والكتابة في الفن”.
وطرح فريد الزاهي، في ورقة افتتاحية، مشاكل الحرية والوساطات والتجديد والتحول، وكذا التاريخ والهوية والاختلاف، في انتظار الانتقال من الصورة إلى الفن البصري وفي انتظار أن يكتب مؤرخ الفن عن هذه القيمة التداولية التي ظلت لأمد طويل حكرا على الصحافة غير المتخصصة والمطبوعات التجارية.
وبخصوص المحور الأول، بحث مؤرخ الفن ومدير آرتموس بباريس، إبراهيم العلوي، مفهوم الفن المعاصر وعلاقته بالفن الحديث، مشيرا إلى أنه ما زال مطروحا في البلاد العربية كتابة ومراجعة كتابة تاريخ الفن الحديث والمعاصر “ذي الملامح المتذبذبة”، على غرار سعي متحف قطر كتابة موسوعة للفن العربي الحديث على الإنترنت، استنادا إلى أساس نظري مشترك.
وتحدث العلوي، الذي كان مسؤولا عن الفن بمعهد العالم العربي باريس، عن العودة إلى الحداثة، مستعرضا تجربة مصر في بداية القرن العشرين مع مدرسة الفنون التي كونت أجيالا من الفنانين المصريين والعرب، ومن ضمنهم النحات محمود مختار، صاحب تمثال “نهضة مصر”.
وعرفت الجامعية والناقدة الفنية اللبنانية، مها عزيزة سلطان، صاحبة كتاب “الهوية الراهنة للتشكيل العربي المعاصر”، الفن باعتباره تعويضا عن التوازن في العالم المعاصر، مشيرة إلى أنه “يمكن أن يختفي إذا بلغت الحياة درجة عليا من التوازن”.
وطرح الناقد الفني البحريني، محمد الخزاعي، سؤال علاقة الأعمال الفنية القديمة، خاصة النحتية منها، بالديانات في العصور السحيقة، مقدما نموذج حضارة دلمون في البحرين القديمة التي عرفت صناعة الأختام وكذا التماثيل التي توقفت بتحريم الدين الإسلامي لعبادة الأوثان، وازدهار فنون الزخرفة والمعمار والخط العربي.
ورأت رشيدة التريكي، الناقدة الفنية التونسية، رئيسة الجمعية التونسية للإنشاءات والجماليات، أن الحرية والإبداع متلازمان، مشيرة إلى محاولات لتوقع التأثيرات الجمالية والاجتماعية للحراك التونسي على العمل الفني ودعم شفافية المشاريع الثقافية وحرية الفن والإبداع والشباب والمنظمات غير الحكومية.
أما في المحور الثاني، فاستعرضت فاطمة جلال، مؤسسة ومديرة رواق “ف – ج” للفن المعاصر بالدار البيضاء، تجربتها في استضافة الرواق، الذي فتح أبوابه في 2008، لفنانين “لم يكونوا مفهومين جدا” في أوساط الجمهور من قبيل فوزي لاتريس وفنانين نالوا اعترافا كبيرا خارج المغرب.
وتحدث الناقد العراقي، فاروق يوسف، المقيم في السويد، عن التحول في البلاد العربية من المؤسسة الراعية إلى الوصاية الأجنبية وعن استيراد خبيرات غربيات لتدبير شؤون الفنون والقاعات وهن غالبا غير ملمات بالفن العربي ما سهل مهمة التدمير وتزييف الهوية.
واعتبر أن من يصنع الحياة الفنية هم أصحاب قاعات العروض، وليس للفنانين صوت، مؤكدا على سيطرة سلطة المال، وعلى ضياع كثير من الحقائق بفعل انعدام الحوار، وعلى المحاولات الجادة لتدمير الفن العربي الحديث لقطع الطريق على الفنانين الحقيقيين، والتمكن من اختراق الفن العربي بسبب فشل محاولة حمايته من خلال إحداث مؤسسات قوية.
واستعرض خالد خريس المدير العام للجمعية الملكية الأردنية للفنون التشكيلية، من جانبه، تجربة المتحف الأردني لدعم الفنون في العالمين العربي والنامي، وهو مؤسسة غير حكومية وغير نفعية يتوفر حاليا على 2500 عمل في مختلف مجالات الفنون، وتمكن من التنقل إلى280 قرية، وإقامة 40 معرضا بالخارج.
يشار إلى أن ندوة “الفن التشكيلي العربي المعاصر” تواصلت، اليوم الاثنين، بمداخلات للفنانة التشكيلية، ريم اللعبي، أستاذة تاريخ الفنون والأفكار والجماليات في جامعة محمد الخامس بالرباط، والناقدة الفنية، نادرة لغون – أكلوش، الأستاذة المحاضرة في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، والفنان التشكيلي والناقد الفني، فيصل سلطان، الأستاذ يكلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية، وذلك في محوري “رهانات التجديد في الفن العربي المعاصر” و”الفن العربي المعاصر بين الذاكرة والتاريخ”