التأمت نهاية الأسبوع المنصرم بطنجة فعاليات ملتقى نقدي سينمائي احتفى بتجربة المخرج المغربي أحمد المعنوني.
لفيف من النقاد والجامعيين الذين تابعوا فيلموغرافيا المخرج المخضرم، لبوا نداء الجمعية المغربية لنقاد السينما، في شهادات وجلسات نقاش قاربت أعمال مبدع قدم علامات فارقة في تاريخ السينما المغربية منذ نهاية السبعينيات.
بدا المعنوني في عيون المشاركين سينمائيا ذا مشروع تؤطره عوالم جمالية وفكرية راقية، عكستها أعمال روائية ووثائقية جمعت بين التمكن من اللغة السينمائية وتوجيه الكاميرا نحو رصد نبض الإنسان المغربي خصوصا في المجالات الهامشية ومحاورة الأعماق الثقافية المنسية أو المحجوبة.
تكاملت مداخلات النقاد عابرة أسرار أعمال تلخص أربعة عقود من الإبداع السينمائي انطلاقا من ” أليام أليام” الذي يحكي أوجاع الإنسان في القرية المنذورة للفقر وانسداد الآفاق إلى فيلم ” الحال” الذي خلد أسطورة ” ناس الغيوان” وفتح أمامها أبواب العالمية، وصولا إلى ” القلوب المحترقة”، الفيلم الأوتوبيوغرافي الذي يستعيد مسار حياة شاق وحافل بالمعاناة الموشومة في طفولة مسلوبة بحي فقير في الدار البيضاء.
وتوزعت المداخلات على جلستين، أدارهما الناقدان محمد البوعيادي وعمر بلخمار. وتحدث في الجلسة الأول مبارك حسني عن “السينما المغربية وأفق الشهادة، سينما المعنوني نموذجا”، وسليمان الحقيوي عن ” حدود الأصلية والإبداعية في سينما أحمد المعنوني”، ثم عبد العزيز العمراوي عن ” أحمد المعنوني، المؤرخ”.
وفي الجلسة الثانية، قارب نور الدين محقق ” بنية الشخصيات وسيميولوجية الأهواء في سينما المعنوني”، بينما تناول بوشتى فرقزايد ” المخيال المغربي في سينما المعنوني”.
هوى مغربي واضح، سينما الصورة بامتياز، فن التأطير الذكي والحضور القوي للغة الشعرية، أصالة المقاربة وطرق مدارات الكونية بتفاصيل محلية، انشداد الى التراث والتاريخ المغربي، وإنصات عميق لأحلام البسطاء وأوجاعهم… تلك معالم صورة رسمتها مداخلات المشاركين لرائد متفرد يؤمن بوظيفة الفنان والمثقف، ودور الصورة في الشهادة وصياغة الموقف الملتزم تجاه الواقع.
في تفاعله مع مداخلات الملتقى الذي أطره رئيس الجمعية خليل الدامون، يلخص المعنوني صلب الحافز الذي يحمله على مواصلة مغامرة صناعة الأفلام، في ظروف صعبة أحيانا، بالقول ” لقد كان التحرر محور انشغالي السينمائي ، التحرر الفردي والتحرر الجماعي معا”.
يشدد المعنوني على وضع الحرية الابداعية التي يحاول استغلالها في ظل غياب سلطة للسوق ومحدودية توزيع الفيلم المغربي. يقول انه غير معني باتباع وصفات محددة على مستوى المعالجة الفنية للموضوع، بقدر ما هو غير مقتنع بوجود حدود بين الوثائقي والروائي.
استعاد المعنوني في بوح مفتوح قصة مسار حمله من طفولة قاسية اجتماعيا واقتصاديا في البيضاء الى دراسة الاقتصاد بباريس قبل الانعطاف الى طرح أبواب التكوين الفني في المسرح ثم السينما التي وجد فيها ضالته التعبيرية.
وتقاسم المشاركون في الملتقى من جديد مشاهدة فيلم ” الحال” الذي اكتسى طابع العالمية بعد ترميمه من قبل مؤسسة السينما العالمية التي يرأسها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي.
يذكر أن اللقاء الثاني عشر من نوعه الذي انطلق بشهادة دافئة عن المعنوني الانسان والمبدع، قدمها أحمد حسني، المدير السابق لمهرجان تطوان لسينما بلدان المتوسط، يندرج في اطار تقليد سنوي باسم “سينمائيون ونقاد”، تستضيف من خلاله الجمعية في كل دورة مخرجا مغربيا مرموقا ممن حققوا تراكما جديرا بالتحليل النقدي.
ويتم تحويل مداخلات كل لقاء الى كتاب جامع يحيط بتجربة المخرج، مما أثمر حتى الآن سلسلة أغنت الخزانة النقدية السينمائية في المغرب. وسبق في هذا الصدد أن حل ضيوفا على هذه المبادرة أسماء من أجيال ومشارب مختلفة في مجرى الفن السابع المغربي، على غرار الجيلالي فرحاتي، فوزي بنسعيدي، حكيم بلعباس، نبيل عيوش وداوود اولاد السيد.