الجمعة , 29 مارس 2024
الرئيسية » مقالات » الطيب الصديقي المبدع المتعدد

الطيب الصديقي المبدع المتعدد

شفيق الزكاري

لم أتعرف على الفنان الطيب الصديقي إلا في سنة 1994، حيث كنت بصحبة التشكيلي بوشعيب هبولي، الذي كان له الفضل في ربط جسور التعارف مع الطيب الصديقي بأحد المقاهي بالدار البيضاء، فكان هذا اللقاء بداية مشروع فني متنوع، بعدما طلب مني إنجاز أعماله التشكيلية بتقنية السيريغرافيا، فكانت أول زيارتي له في الأسبوع الموالي، حيث استقبلني ببيته بحي العنق بالدار البيضاء، بعد تحديد موعد لذلك، وقد عملت على احترام الموعد، لما سمعت عنه من دقة وصرامة في احترام المواعيد، التي كان يقيس بها جدية العلاقات الإنسانية.
ما أثارني في اللقاء الأول هو الحس الفكاهي الذي يتميز به الفنان الطيب الصديقي، بعدما سألته عن جدوى وجود مكتبة وعدد من الصور التذكارية مع فنانين محليين وعالميين وشخصيات سياسية ودبلوماسية… بمرحاضه، فكان جوابه أن «المرحاض هو بيت الراحة، أي المكان الذي لا يدخل إليه اثنان، وفيه يمكن للإنسان أن يجد راحته في التأمل والقراءة والتفكير والتركيز، دون إزعاج».
كان جوابا طريفا، دفعني إلى حب اكتشاف المزيد من الطرائف الممتعة لهذا الفنان، والتعرف على قدراته الإبداعية خارج اهتماماته المسرحية، فوجدت نفسي أمام مبدع تشكيلي اتخذ من الخط أسلوبا موازيا للتعبير عن انشغالاته الإبداعية، فطلب مني استنساخ عدد من لوحاته التشكيلية بتقنية السيريغرافيا، مع التصرف في اختيار الألوان، فكانت بداية مشروع دام مدة شهرين تقريبا.
إن أعمال الطيب الصديقي التشكيلية اتخذت من الخط موضوعا لها، بطريقة وبأسلوب شخصي استمد كينونته من محيطه وفضائه الأصليين، معتمدا في ذلك على اهتمامه بالوثائق والمنمنمات القديمة، بما تحمله من أشكال وتكوينات نادرة، محاولا بذلك الخوض في غمار تجربة مغايرة لاكتشاف إمكانية جديدة على مستوى الشكل والمضمون في معالجة الموروث الثقافي المغربي في بعده الكوني، انطلاقا مما هو تقليدي ومحلي. فكانت جل أعماله انعكاسا لفلسفة دينية على مستوى اختيار الكلمات من جهة، وبروح متحررة أفرغ فيها الخط من دلالته اللغوية من جهة أخرى، ليجعل من عمله أيقونة معبرة في شموليتها الفكرية والدينية بحس جمالي متميز.
بعد هذه التجربة، توطدت علاقتي بالصديقي لحد الحديث عن مشاريعه المسرحية، التي سيترتب عنها اشتغالي معه في مسرحية «موليير»، حيث أسندت إلي مهمة إنجاز ديكور هذه المسرحية صحبة الفنانين الكواكبي والزهيدي، فأنجزت عددا من الأيقونات لهذه المسرحية، من بينها صورة صباغية لموليير على أحد الكراسي المؤثثة لهذه المسرحية، إلى جانب أعمال أخرى، بعد أن اقترح علي الاشتغال معه كسينوغراف في الأعمال القادمة، مع تزويدي بكل المعلومات التي قد تفيدني في تطوير معرفتي التقنية في هذا المجال، فرفضت ذلك نظرا لانشغالي بمشاريع فنية أخرى تبعد في تصوري عن مجال السينوغرافيا.
بعد مرور ست سنوات على إنجاز هذا العمل التشكيلي، التقيت بالفنان الطيب الصديقي مرة أخرى بنفس البيت، إذ زرته صحبة الصديق الفنان عبد الكبير الركاكنة، وما أن رآني بصحبة ابني منتصر، الذي لم يكن آنذاك قد تجاوز السنتين، حتى تفجر لديه حس الدعابة والنكتة، فألقى عليه التحية بسؤال جاء فيه: «ما هو الطائر الذي يتبول مرتين في اليوم؟» وبعد صمت قصير وعدم التوصل للإجابة، كان رد الطيب الصديقي هو: «بلبل»، فانفجر الطفل منتصر ضاحكا، فكانت بداية لحديث عن أمور أخرى، إلى أن غادرت المغرب في اتجاه إسبانيا قصد العمل، فانقطعت عني أخبار هذا الفنان الكبير، إلا ما كان يصلني من بعض الأصدقاء أو عبر فضائيات الإعلام المغربي.

 

عن المساء

شاهد أيضاً

مهرجان السينما الدولي بمراكش.. تسعة أعضاء ينتمون لخمس قارات يشكلون لجنة تحكيم الدورة العشرين

أعلن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن لجنة تحكيم دورته العشرين المقرر انعقادها في الفترة …