الخميس , 28 مارس 2024
الرئيسية » دراسات نقدية » التشكيلي والشاعر والروائي عمر الصديقي .. الفنان الذي انتقل من هوس التشكيل إلى الكتابة الأدبية والفنية وتصوير الحقائق التاريخية

التشكيلي والشاعر والروائي عمر الصديقي .. الفنان الذي انتقل من هوس التشكيل إلى الكتابة الأدبية والفنية وتصوير الحقائق التاريخية

عبد اللطيف الحربيلي

انتقل من هوس التشكيل إلى الكتابة الأدبية والفنية قبل أن يخوض في تيمة الذاكرة الوطنية المرتبطة بسلسلة من الوقائع والأحداث والملاحم البطولية المتصلة بمرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، وهي التجربة الجديدة التي جعلته يكتشف عوالم السرد التاريخية حينما أصدر روايته ” ذاكرة بقلب مفتوح”، إنه التشكيلي والشاعر والروائي عمر الصديقي.

فقد عمل الصديقي بتفان وهوس استثنائي على صقل مواهبه ” في إطار الاشتغال المستمر على تيمة الطبيعة والحب الطاهر والعواطف النبيلة والقيم الوطنية والتاريخية “.

ففي بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء يقول الصديقي”.. بالنسبة لي كفنان ارتاح لكل جميل في الوجود مهما تنازعت داخلي رغباتي الخاصة وقيم المحيط الاجتماعي .. فمهما يكن فأنا دوما يأسرني كل منظر أخاذ أو مشهد رومانسي تعانفت خلاله الطبيعة بإحساس الإنسان في حالة الانحلال الوجداني أو في حالة البحث عن الذات داخل النسيج الإنساني ..” .

فالمبدع عمر الصديقي، الإنسان والمثقف، يجد ضالته أساسا في الإبداع كجسر رابط بين الثقافات الإنسانية، فلا يتردد في الحديث عن الإنسان والإرادة والحرية وصناعة التغيير من داخل الألوان والضلال والتقاطعات والكلمات والإيحاءات التشكيلية الرمزية. حتى أن كل هذه الأبعاد الفلسفية المجردة والرؤى الفنية المتنوعة جعلته يراكم العديد من التجارب الإبداعية المتميزة، وذلك ليس فقط في مجال التشكيل فحسب، بل في مغازلة القوافي ونظم الشعر والاشتغال على النثر عامة والرواية العربية خاصة.

يقول عن تجربته إنه ” فنان مرهف الحس تستهويه عناصر الطبيعة إلى حد الجنون، فمن مكامن الجمال الطبيعي ومن خبايا أغوار الذات الإنسانية يستوحي مواضيع اشتغاله الفني، وذلك منذ خربشات الطفولة بالطبشور والفحم والصلصال والحناء على الأسوار إلى أول معرض تشكيلي جماعي شارك فيه في خريف 1988 بدار الشباب أنوال (تازة) رفقة مجموعة من المبدعين بالمدينة، لتتوالى معارضه في كل من رواق مكتبة ” كليلة ودمنة” بالرباط ( 1996) وقاعة التكوين المهني بفاس وساحة الكلية متعددة التخصصات وفضاء المعهد الموسيقي بتازة …”.

فانطلاقة الصديقي الأولى اعتمدت على الموهبة والفطرة الخالصة في ظل الإمكانات المحدودة .. لكن بفضل إصراره القوي استطاع أن يصنع لنفسه مسارا فنيا غنيا بلحظات الإبداع القوية التي جمعته بأدباء وشعراء ومصممي ديكور وممثلين وتشكيليين في معارض عديدة. وهو ما أكده في الحديث عن تجربته الخاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء حينما قال ” ..الإبداع هو أن أطير بأجنحة الخيال في عالم غريب وغير متناه .. هو عملية شرود أبدي في تخوم الحياة بهمومها وأفراحها وتقلبات أيامها .. حين أبدع أشعر وكأنني جزء من حلم خرافي فيصعب علي أحيانا الرجوع من ذلك العالم حيث يتبدد الزمان والمكان إلى الأصقاع الضيقة التي تحكمها المادة وتسودها القوة ..” .

فلكونه فنان متعدد المواهب، فإن الصديقي لم يجد صعوبة في الانتقال من ألوان التشكيل وخطوط الرسم إلى عالم الشعر والكلام الإيقاعي، فاستطاع أن يقتحم هذا المجال لينظم قصائد مثيرة تترجم عمق العواطف الإنسانية وخبايا العشق وجنونه، إذ أصدر أول ديوان شعري جماعي سنة 2010 تحت عنوان ” نوافذ عاشقة ” رفقة ثلة من الشعراء العرب بجامعة المبدعين المغاربة بالدار البيضاء، وهي تجربة ترجم من خلالها حقا قدرته على التواصل الثقافي مع مختلف عوالم الإبداع خدمة للمشاعر الإنسانية وقيم الفن النبيل.

فبعد هذه التجربة الإبداعية الجماعية الناجحة بالدار البيضاء، تمكن الشاعر عمر الصديقي من إصدار ديوانه الشخصي تحت عنوان ” بقايا أحلام”.

وتحول الاهتمام الإبداعي لدى الصديقي إلى الإنتاج الأدبي والروائي حين أصدر روايته الأولى ” هي عاشقة والبحر شاهد ” وهي عبارة عن مشاهد اجتماعية مثيرة امتزج فيها البعد العاطفي بالشأن الثقافي العربي عموما والمغربي خصوصا.

واصل الصديقي تجربته الفنية ليخوض تجربة الكتابة الروائية في إطار تيمة جديدة مرتبطة بالذاكرة الشعبية الوطنية عموما وبموضوع المقاومة المغربية على وجه التحديد من خلال متن روائي جديد (الإبداع الروائي التاريخي) موسوم ب ” ذاكرة بقلب مفتوح

هذا العمل الروائي الذي قال عنه المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مصطفى الكثيري” ..لقد أصاب هذا النص الروائي في استعادة حدث تاريخي هام ومفصلي في تاريخ المغرب وإعادة صياغته وتقديمه في قالب يمتزج فيه الخيال والتشويق بلعبة المرآة لتطهير الذات. إن الإصدار الموسوم ب ‘ ذاكرة بقلب مفتوح ‘ يشكل إضافة نوعية ومساهمة أدبية يستحق عليه مؤلفها التنويه. ومن المحقق أنه سيغني المكتبة الوطنية التي تسعى المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير جاهدة لإخصابها وإثرائها “.

تقع رواية ” ذاكرة بقلب مفتوح” ، التي حظيت بشرف التقديم ضمن فعاليات الدورة ال 20 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء السنة الماضية، في عدة فصول متماسكة ومعنونة خاضعة للمعمارية البنيوية بأسلوب سردي تاريخي يعالج مشاهد مثيرة من الذاكرة الوطنية المرتبطة بسلسلة من الوقائع والأحداث والملاحم البطولية المتصلة بمرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي .

أما على مستوى الهيكلة فيمكن القول إن الرواية اعتمدت على التصميم الهندسي القائم على المثلث التقليدي ( البداية والذروة والعقدة النهائية)، وهي ثلاثية انطوت على تفاعل نشيط بين الأحداث والشخوص وفق مبدأ السبيبة والكرونولوجية والعلية المنطقية، خاصة وأن التيمة المعتمدة تتسم بالواقعية التاريخية التي تقتضي كثيرا من التمحيص والتدقيق في الوقائع من حيث مسبباتها ونتائجها، وذلك لتفادي قدر المستطاع الوقوع في مزالق عملية أو منهجية غير محمودة.

وبخصوص المراد من هذا النوع من الكتابة يقول الروائي الصديقي ” إن غايتي الحقيقية من وراء اقتحام هذا الهدف، هي الإسهام في التعريف بخصوصيات المقاومة المغربية وبأعلامها المتميزين، من خلال يوميات الكفاح الوطني في المدن العريقة وخاصة في المداشر النائية بمنطقة الريف، كنموذج لمقاومة شرسة بشهادة التقارير الاستعمارية نفسها، والتي وصفت الصراع الميداني فوق هذه الجغرافية من المملكة ب ‘مثلث الموت’ الشهير . وهي بكل تأكيد انتفاضة باسلة تزامنت فصولها البطولية مع انطلاقة الشرارة الأولى لعمليات جيش التحرير بشمال المملكة مع مطلع أكتوبر سنة 1955 “.

ويقول الصديقي عن هذه التجربة الروائية ” إن ما ساعدني على خوض هذه التجربة المتواضعة بحماس متزايد هو عشقي للكتابة الأدبية والفنية كآلية طيعة لترجمة المشاعر والتعبير عن الهواجس الداخلية وتصوير الحقائق التاريخية .. إضافة إلى طبيعة انشغالي المهني داخل قطاع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير كإطار إداري في مجال الدراسات التاريخية المرتبطة بذاكرة المقاومة المغربية، حيث حالفني الحظ بالاشتغال إلى جانب عدة مقاومين بارزين، ارتبطت أسماؤهم بفصول الكفاح الوطني من أجل نيل الحرية والاستقلال “.

وأضاف ” لقد وجدت نفسي ، بعد تجربة التشكيل والشعر، متلبسا ومسكونا بهوس وهم الكتابة عند نقطة التقاطع الموضوعاتي بين المادة التاريخية وهاجس الكتابة الأدبية الجادة والهادفة، مما شجعني على ركوب محاولات مصالحة الفن الأدبي والحقيقة التاريخية، خاصة في جوانبها المعتمة التي لم تنل حظها من الأضواء الكاشفة داخل إطار فن الكتابة والسينما والمسرح والتشكيل، بالشكل الذي يليق وإشعاعها المتميز وحجم بطولاتها المجيدة والخالدة “.

بالرغم من الزخم التشكيلي والروائي للصديقي فإنه يواصل حاليا اشتغاله على عمل أدبي آخر باللغة الفرنسية حول الذاكرة المشتركة، وهو ” عبارة عن سيرة ذاتية تكشف جوانب مركبة من ظروف طفولة سنوات السبعينيات ونوستالجيا الأجيال السابقة التي عايشت الحماية العصيبة، هذا بالإضافة إلى ذكريات أخرى حول الزمن الجميل، حيث لا أنترنيت ولافيسبوك ولاقنوات فضائية .. زمن كانت المدرسة مدرسة والحب حبا والصداقة صداقة في بساطة مطلقة وحرية تامة “

شاهد أيضاً

شجون مسرح مغربي بعدسة ونبض رواد مسرح.. (الجزء الأول)

عبد السلام انويكًة هاجس حفظ مسار وهوية وايقاع شاهدٍ ومشهدٍ حتى لا يطويه جدل زمن …